هل خُدع القذافي؟
مصطفى الزائدي
بعد أكثر من عقد من نجاح الحملة العسكرية الغربية المتخفية تحت أدوات ليبية، والمتذرعة بأسباب إنسانية وديمقراطية مزيفة، في إسقاط الدولة وضرب مؤسساتها، وإعلان تحريرها!! ووضعها تحت الوصاية!! يستمر طرح السؤال حول بعض الناس الذين كانوا في قمة مؤسسات الدولة وانقلبوا عليها، بل تحالفوا مع العدو لتدميرها! هل كانوا جواسيس زرعوا في الدولة تسللوا إلى قمة هرمها مكلفين بالعبث بها، أم أن الأمر لا يعدو كونه معطيات الصراع التي تمزج في كثير الأحيان بين الخوف والجبن والطمع من جانب، وقيم الوطنية والشجاعة والصبر من جانب آخر؟
في هذا السياق أحاول التعرض لمواقف بعض الشخصيات الجدلية التي أثارت بمواقفها المتناقضة جدا طرح تساؤلات حول كفاءة مؤسسات الدولة في الماضي في تمييز العدو من الصديق!
سأتناول هذا الأمر بعيدا عن الاختلافات السياسية، والمواقف المتباينة جدا أثناء فترة الصراع، بل بدوافع موضوعية، ولمصلحة رواية تاريخ صحيحة للأجيال الحالية والقادمة!
السؤال الذي يطرحه كثيرون كيف نجح أشخاص من أمثال عبدالرحمن شلقم في خداع القذافي طيلة نصف قرن؟ وهو رجل معلوم الفطنة والذكاء ويمتلك من قوة الفراسة ما يمكنه من تمييز الأفراد، وفي دولة بنت أجهزة أمن مستقلة وقوية وقادرة على معرفة أساليب الأعداء وكشف أدواتهم؟ وكيف تربع في هرم السلطة الجماهيرية كل هذه الفترة دون أن ينتبه له أحد ولا أن تُكف يديه عن العبث؟
لكن السؤال الأهم هل كان عبدالرحمن شلقم في هرم السلطة الجماهيرية طيلة نصف قرن؟
الإجابة الجازمة بالنفي، نعم لقد تقلد وظيفة عليا وحيدة في وزارة الخارجية بضع سنوات ليس إلا، وكانت مبررة في وقتها!
فهو لم يكن ضمن منظومة القرار في أغلب مراحل الجماهيرية، في السبعينيات كان صحفيا ولم يتول أي وظيفة قيادية في الإعلام، فقط في النصف الثاني من الثمانينيات صُعِّد أمينا للمكتب الشعبي روما، ومع بداية التسعينيات وحتى 2000 لم يتول أية وظيفة لا قيادية ولا عادية!
بعدها صعد أمينا للشؤون الخارجية بأمانة مؤتمر الشعب العام المختصة بالعلاقات الشعبية مع التنظيمات السياسية والمجتمعية في الدول المختلفة، وبعد حلحلة أزمة لوكربي صعد أمينا للاتصال الخارجي، مختصا تقريبا في متابعة نتائج اتفاق لوكربي، فلقد فصلت العلاقات مع إفريقيا والوطن العربي التي كانت في مقدمة اهتمامات الدولة في شكل أمانة مستقلة بقيادة المرحوم الدكتور علي التريكي، أو عن طريق أمناء مساعدين تولاها الأخوان مختار القناص وسعيد حفيانة، لكن لا شك أن عبدالرحمن شلقم نجح في توطيد علاقته بالقائد من خلال أمانة الخارجية، وفي آخر مسيرته كلف مندوبا لليبيا في هيئة الأمم المتحدة فاستغلها أسوأ استغلال!
بهذا أنا لا أحاول إطلاقا التقليل من شأن شلقم ولا حتى الإساءة إليه بل رفع الخلط الذي وقع فيه كثيرون وخاصة من قوة ثورة الفاتح، بما أثر سلبا على معنوياتهم وزعزع ثقتهم في أنفسهم.
لقد أردت إعادة طرح السؤال هل بهكذا سيرة وظيفية يمكن أن يحسب عبدالرحمن شلقم بأنه من قيادات الدولة أو أنه عمل في هرمها لزمن طويل؟
الحقيقة أنه كان طيلة عهد الفاتح موظفا في الصف الثاني والثالث، وأما سبب وجوده أحيانا في مواقع قيادية فراجع لطبيعة النظام وقتها الذي لم يكن نظاما مبنيا على أيديولوجية محددة كما يروج البعض، بل كان نظاما يمكن للجميع أن يكونوا في وظائف قيادية به، فنسبة الأيديولوجيين في قيادته قليلة!