التعليم في ليبيا إلى أين ؟ من وراء تسريب أسئلة امتحانات الشهادة الثانوية
متابعات – منيرة الشريف
ظاهرة تسريب أسئلة الامتحانات على مواقع التواصل الاجتماعي، وجدت طريقها في صفوف بعض الطلبة داخل ليبيا، وتفاقم الغش في الامتحانات رغم كل القوانين والإجراءات الظرفية التي أصدرتها الحكومات المتعاقبة بسبب عدة عوامل على رأسها الانفلات الأمني الذي تشهده البلاد منذ عدة سنوات.
انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي عدة صفحات – إحداها تحمل شعار وزارة التربية والتعليم بحكومة الدبيبة – تدعي وجود أسئلة الشهادة الثانوية بقسميها العلمي والأدبي وتعرضها للبيع.
وأثار تداول أسئلة امتحانات المرحلة الثانوية عبر مواقع التواصل الاجتماعي جدلًا واسعا في أوساط الطلاب وأولياء أمورهم، حيث نشرت صفحات الغش الإلكتروني أجزاء وصورا من أسئلة الامتحانات خلال الأسبوع الماضي، وهو ما أثار غضب المتفوقين من الطلاب وأولياء أمورهم.
صحيفة “الموقف الليبي” رأت أن تسلط الضوء حول هذه الظاهرة التي انتشرت في السنوات الأخيرة، وأجرت عدة حوارات وتابعت تعليقات بعض الطلبة وأولياء الأمور عبر قنوات التواصل الاجتماعي التي كانت على النحو التالي:
قال محمد عبدالسلام طالب بالشهادة الثانوية القسم العلمي بإحدى مدارس العاصمة: إن وقائع تسريب الامتحانات تعود إلى غياب القيم والضمير لدى كل من يلجأ إلى هذه الوسيلة لاجتياز الامتحانات، مشددا على ضرورة ترسيخ قيم الأمانة وعدم الغش لدى الطلاب حتى لو سنحت لهم الفرصة في القيام بذلك.
بدوره قال علي عبدالله، معلم متقاعد ولديه ابن بالشهادة الثانوية القسم العلمي:
لقد واجهت ابني مشاكل كثيرة أثناء العام الدراسي الحالي، فلم تتوفر أغلب الكتب خلال العام، كذلك توجد مشكلة نقص المعلمين في مواد مهمة، فابني لم يكن لديه في المدرسة معلم في مادتين هما اللغة العربية والفيزياء، واضطر للاشتراك في دورات خاصة، ودفعت مبالغ مالية كبيرة في سبيل ذلك، وبعد الجهد والمال الذي تكبده ابني سمع عن تسريب الأسئلة، الأمر الذي أحزنني، فكيف يستوي من سهر وتعب وتكبد الجهد والمال مع من استهتر ولم يكن مكترثًا بالدراسة؟
وأضاف: ألقي باللوم على الحكومة وعلى وزارة التعليم، لعدم الاهتمام بتوفير مقومات الدراسة بداية من الكتاب، ونهاية بسكوت المسؤولين عن التجاوزات التي تحصل أثناء الامتحانات.
من جانبها قالت إحدى المعلمات: إن وزارة التربية والتعليم بحكومة الدبيبة تسهم في إيذاء الطلبة عبر وضع أسئلة غير واقعية في كثير من الأحيان، أو أسئلة ليست من المنهج أصلاً، ناهيك عن تسريب الأسئلة الذي يتكرر.
وتابعت: الطلبة لا ذنب لهم في ما يحدث، وللأسف ليست هناك أي ردة فعل رادعة للمسؤولين الفاسدين، أو الموظفين الذين يسربون الأسئلة لطلبة معينين، أو لغايات مالية، كما أن الحكومة لا تعاقب أي مسؤول متورط في هذه الكارثة.
وقالت “س.ع” معلمة: هذه الظاهرة تؤلمني كما تؤلم العديد من الطالبات المجتهدات وأولياء أمورهن، أنا عن نفسي لا أرضى أن يضيع جهد من ثابرت وسهرت الليالي وحرمت نفسها من الخروج والفسحة وحضور المناسبات الاجتماعية، لتجد نفسها جنبا إلى جنب مع من تهاونت في الحضور إلى المدرسة ولم تكن مهتمة بالدروس.
وأضافت: للأسف، الطالبات المجتهدات هن بنات أسر بسيطة، والأخريات المهملات نجدهن بنات فلان وعلان من الذين تقلدوا المناصب والكراسي على حين غرة، ولا نقول إلا حسبي الله ونعم الوكيل في كل من عمل هذا ببلادنا وأولادنا وبناتنا.
وقالت “ن. م” ولية أمر طالبة بالشهادة الثانوية القسم الأدبي: تسريب الأسئلة تكرر أكثر من مرة، ولو حصل هذا في دولة تحترم القانون وتطبقه كاملا من دون استثناءات لجرت عمليات استبدال مسؤولين ووزراء، لكن سيطرة الميليشيات على المؤسسات يحول دون ذلك، ويعد الفساد المتفشي في أغلب مؤسسات الدولة واحداً من أبرز التحديات التي تواجهها المؤسسة التعليمية في ليبيا؛ إذ إن تأثيراته تتفاقم بشكل مستمر.
وأضافت: إن ظاهرة تسريب الأسئلة تهدد مستقبل الأجيال القادمة، وتنعكس بالسلب على مستوى الطلاب ومستقبلهم، كما تضر بالمجتمع والاقتصاد بشكل عام، وأصبحت ظاهرة خطيرة ومعقدة، تُستخدم فيها تقنيات متطورة ووسائل رقمية؛ لتسريب الأسئلة والأجوبة عبر شبكات التواصل الاجتماعي والتطبيقات المختلفة.
وعن كيفية تسريب الأسئلة أوضح أحد خبراء التقنية الإلكترونية أن ظاهرة الغش الإلكتروني هي استخدام التكنولوجيا والأجهزة الإلكترونية للغش في الامتحانات والاختبارات، وتتضمن الطرق الشائعة للظاهرة، تسريب الأسئلة والإجابات، باستخدام الهواتف الذكية والبرامج الإلكترونية في الحصول على الإجابات، وعادة ما يتم تسريب الامتحانات من خلال عمليات قرصنة البيانات، حيث يتم الحصول على نسخ من الأسئلة والإجابات من قاعدة بيانات المدرسة أو من المواقع الإلكترونية التي تقدم الامتحانات.
وعن صعوبة الأسئلة وعدم مراعاتها لمستويات الطلبة كافة كتب المهندس عبدالقدوس الدريبي عبر صفحته على فيسبوك:
للأمانة من أقوى الامتحانات التي تمر علي في مادة الفيزياء، أسئلة مستعد أن أواجه بها حتى موجهين، والله ما هو قادر على حلها كلها لأنها حرفياً من بين السطور.. طبعاً كلامي ما يشملش الكل لأن في معلمين ومعلمات أفاضل احنا تعلمنا ونتعلم منهم).
وأضاف: (للأمانة جريمة الأسئلة 60 سؤالا، والمسائل تبي حد فاهم وحافظ وعنده قدرة على المزج بين الرياضيات والفيزياء وسريع في استعمال الآلة الحاسبة، لا أقول إلّا كان الله في عون الطلاب في الخارج”.
واختتم الدريبي قائلا: “لا يوجد من يعطي بهذا القدر حتى تكون الأسئلة بهذا الرتم”.
أما عن تدهور التعليم في ليبيا، فقالت الأستاذة نجوى وهي معلمة وولية أمر: إن جوانب عدة أدت إلى تدني المستوى التعليمي لدى الطلاب، وعلى رأسها نقص الكتاب المدرسي الذي أصبح معضلة يعاني منها أولياء الأمور اضطرت البعض منهم لطبع الكتب على حسابهم الخاص أو الاستعانة بكتب قديمة، رغم الوعود التي تقدمها الحكومات المتعاقبة بداية كل عام دراسي، الأمر الذي انعكس على التحصيل العلمي، إضافة إلى نقص المعلمين في تخصصات معينة، فرغم الأعداد الهائلة التي نسمع عنها من المعلمين والمعلمات إلا أن العديد من المدارس تفتقر لبعض التخصصات المهمة مثل الرياضيات والفيزياء والكيمياء وغيرها، وفي بعض الأحيان يقوم معلمون من تخصصات أخرى بتغطية هذا النقص، وهذا يؤدي إلى ضعف التحصيل العلمي.
مراسل “الموقف الليبي” في القاهرة تابع سير الامتحانات واستطلع مجرياتها وآراء بعض الطلبة وأولياء الأمور، وخلص إلى وجود عدة مشاكل، منها ارتفاع الرسوم الدراسية، فلا توجد مدرسة تابعة للدولة الليبية، بل مدارس ليبية خاصة تدرس المنهج الليبي هذا أولا، ثانيا إن المعلمين بالمدارس الليبية في مصر من الجنسية المصرية، وهذا يعيق معظم الطلاب في استيعاب المنهج والتحصيل العلمي من الابتدائي وحتى الثانوي، ومن المشاكل التي واجهت الطلبة أيضا تأخر الكتاب المدرسي وتكلفته العالية جدا في حال طباعته في مصر على حساب الطلبة، وعدم وجود فرص الدورات المجانية، فالحكومة لم تراع الظروف الاجتماعية والاقتصادية التي يعيشها المهجرون، وبالنسبة للامتحانات إلى حد إعداد التقرير فإن الأسئلة نوعا ما متوسطة، ولكن امتحان الفيزياء كان صعبا جدا، نسأل الله التوفيق والنجاح للجميع.
ويرى مراقبون محليون أن الظروف الأمنية والمعيشية التي تمر بها البلاد تجعل بعض الطلبة يائسين بشأن تحصيل أي إنجاز علم في حياتهم، ولذلك لا يولون للتعلم أي أهمية ويصبح هدفهم الحصول على الشهادة حتى عن طريق الغش.