عيد الأضحى والنحر الفكري
محمد بوخروبة
أيام قلائل تفصلنا عن عيد الأضحى المبارك.. ويعد عيد الأضحى من المناسبات الدينية التي يحتفل بها المسلمون عامة.. إذ يقوم فيه المسلمون بأداء هذه الشعيرة المقدسة، ألا وهي ذبح أضحية العيد تقربا إلى الله عز وجل.
في أحد أعياد سنوات مضت، وقفت وفي أيام العيد وأنا أراقب الأطفال في الشوارع، وهم يحملون المسدسات البلاستيكية ويلعبون لعبة الأبطال والخائنين، حيث يديرون لعبة وهمية تبدأ بقيام أحدهم بتوزيع الأدوار بين أبطال وخائنين، دون أي سبب واضح لذلك الاختيار، ثم يقومون بالاختباء ويتبادلون العيارات النارية الوهمية والأصوات الإيقاعية التعبيرية، ويفرض أصحاب الشخصيات القوية إيقاع اللعبة، فيقول لهذا أنت مت وأنت أصبت، وهكذا حتى تنتهي اللعبة بالخلاف والاختلاف حول من مات ومن انتصر.
هذا المشهد يتكرر يوميا في حياتنا عبر لعبة يلعبها الكبار بطريقة مشابهة تماما، حيث يقوم بعض الشخصيات أو التيارات الافتراضية بإدارة معارك وهمية، يقومون بتصنيف الناس هذا مع وهذا ضد، هذا خائن وذاك مناضل، هذا عميل وذاك مجاهد، هذا مؤمن وهذا كافر، لتدور معارك عنيفة يقوم فيها أصحاب العقول الخشبية والأقلام البلاستيكية والمناهج الورقية بالصراع والجدال، ورمي الاتهامات وقصف الكلام وقذف الاتهام ونحر الأفكار، ثم تنتهي المعركة التي يتصور كل طرف أنه قد انتصر فيها وأن عدوه الافتراضي قد انتهى، بينما يكون الخلاف قد تعمق والاختلاف قد ازداد حدة ويعود كل فريق للاستعداد للمعركة القادمة.
أما المعركة الحقيقية التي تهدم الأوطان وتحرق الممتلكات وتدمر المجتمعات وتقضي على القيم والمعتقدات، والتي يديرها أعداء الأمة فالكل غافل عنها، ومشغول بتلك المعارك الفرعية الوهمية التي تدور حول خلافات فكرية سخيفة، وأحكام فقهية ثانوية كانت وما زالت سبيل أعداء الأمة على مدى التاريخ لبسط إيقاع المعركة التي يديرونها باحترافية مبهرة فعالة يستخدموننا فيها لنخرب بيوتنا بأيدينا.
لقد جعل الله عيد الأضحى تخليدا لمفهوم التضحية والفداء، التضحية بأعز ما نملك وهو النفس فداء للعقيدة والمبدأ، والفداء بأغلى ما نملك وهو المال تعبيرا عن القيم الإيمانية، وجبرا للمشاعر الأخوية وانتصارا للكرامة الإنسانية، وعندما فهم المسلمون هذه القيم وهذه الحقيقة قاموا ينشرونها في العالم كله بروح المحبة والسلام، وإحقاق الحق والأمن والفضيلة بين كل الناس، وعندما غفل المسلمون عن هذه الحقيقة قاموا بالتضحية بقيمهم، وإنسانيتهم، لينحروا بعضهم البعض انتصارا لمعارك هامشية وتحقيقا لمصالح ذاتية عبثية ومادية دونية، وتأتي اليوم بإخراجات إعلامية بارعة لتقضي على أي بارقة أمل في إمكانية استعادة هذه المفاهيم الراقية للتضحية والفداء.
ترى هل سيكون عيد الأضحى الأيام المقبلة الذي نعيشه بداية جديدة لإحياء قيم المحبة والتعاون والبناء والتضحية والفداء فيما بيننا، ولهدم قيم الكره والاختلاف والتناحر والخصام والتخريب الممنهج لأنفسنا ومجتمعاتنا.
“ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ”.