قد لا نجد وطناً نعيش فيه
ناجي إبراهيم
هذا ما كنا نخشاه، وهذا ما حذرنا منه، وهو كان متوقعا من خلال متابعة تطور الحالة الليبية التي أخدت مسارات عديدة أفضت لذات النتائج، هذا ليس نابعاً من قناعة بأن مسار بوزنيقة أو المسارات التي سبقته في عواصم تجاورنا وأخرى بعيدة أنه سينتج حلاً ينهي الأوضاع المأساوية في ليبيا، ولكن فقط لنكشف للمراهنين على الخارج نواياه وفضح سياساته التي تستثمر في الفوضى التي تعيشها بلادنا طيلة هذه السنوات، الدول المتدخلة في الشأن الليبي هي نفس الأطراف والقوى الدولية التي تسببت في شلال الدم الليبي والإطاحة بالنظام وإنهاء الدولة الليبية وضرب مؤسساتها، فهي لن تسعى لإعادة النظام ولن تعمل على الانتهاء من حالة اللادولة التي استفادت كثيراً بغيابها، أما ما تطلقه من تصريحات وترفعه من شعارات فهو دغدغة لعواطف الليبيين وواحدة من آليات إدارة الأزمة من خلال خلق وتفجير الأزمات، وبوزنيقة وغيره من اجتماعات ولقاءات تعقد هنا وهناك ما هي إلا ذر للرماد في العيون وتحويل الأنظار وحرف الانتباه عن المشكلة الحقيقية التي تكمن في التدخل والوجود الأجنبي.
في كل مرة وفي كل مبادرة جاءت من الخارج وتوقعنا فشلها ونبهنا لخطورتها نجدهم يظهرون حرصاً ورغبة في إنهاء العبث وتخطي المراحل الانتقالية ووضعوا طريقاً واحداً للخروج من هذه المراحل والذهاب للاستقرار وهو إجراء الانتخابات وإقامة حكومة تتمتع بالشرعية الشعبية التي سيمنحها لها الصندوق، والليبيون الذين ملوا هذا الوضع وضاقوا ذرعاً بجميع الحكومات التي حكمتهم خلال اثنتي عشرة سنة تشبثوا بهذا الوهم إذا كان سيشكل مخرجاً ونهاية لهذا العبث والفساد والفوضى، رغم قناعة أغلب الليبيين أن المشكلة ليست في الحكومة وشكلها وشخوصها، ولكن المشكل في مكانات ومطارح أخرى أراد الخارج أن يغطيها ويتجاوزها لأنه استفاد منها وحفظت تواجده ووفرت له المناخات التي مكنته من تحقيق مصالحه دون أن تلحق به أي التزامات قانونية وأخلاقية، بل نراه وعلى لسان سفرائه ومبعوثيه وحكوماته ينتقد الأوضاع البائسة ويدعو لإنهائها، ولكن بآليات تعمقها وتبقي عليها وتكون سبباً في إفشال أي استحقاق يطلبه الليبيون ويلمحون منه الضوء الذي في آخر النفق.
كلما اقتربت الأطراف الليبية من إيجاد مخرج ووفق الوصفات الخارجية جاء الخارج ليفشلها أو يعطلها بطريقة مسرحية ويرفع ذات الشعارات وهي السعي لإجراء الانتخابات وإنهاء المراحل الانتقالية، وإذا به يهرب من تطبيق الاستحقاق الانتخابي ويأتي بحكومة مؤقتة من أجل الوصول للانتخابات، وظلت الأطراف الليبية تدور في نفس الحلقة وفي تغييب كامل للشعب الليبي صاحب المصلحة.
انتخابات 2021 لم تنعقد وفق قاعدة انتخابية، ولم تلغ لغيابها، بل ألغيت لأسباب لا علاقة لها بالقانون، وقالوا عنها القوى القاهرة، والقاعدة الانتخابية التي يجري إعدادها وقبرت في بوزنيقة لن تكون هي السبيل إلى إجراء الانتخابات، ولم تعطلها الانتخابات، بل عطلتها قوى أخرى قد تكون هي نفس القوة القاهرة التي عطلت انتخابات 2021.
وما يؤكد أنه تم تدخل خارجي عطل التوافق في بوزنيقة على ما أسموه النقاط الخلافية في القاعدة الدستورية هو ما صرح به المبعوث الأممي باتيلي (تدرك بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا أن العناصر الأساسية في القوانين الانتخابية والقضايا المرتبطة بها تتطلب قبولاً ودعماً من مجموعة واسعة من المؤسسات الليبية وممثلي المجتمع المدني -بما في ذلك النساء والشباب- والأطراف السياسية والأمنية الفاعلة كي يتسنى إجراء انتخابات شاملة وذات مصداقية وناجحة، وبناء على ذلك ستواصل البعثة العمل مع جميع المؤسسات الليبية المعنية بما في ذلك المجلس الرئاسي لتيسير مشاورات بين جميع الأطراف الفاعلة لمعالجة المواد الخلافية في القوانين الانتخابية) وكأنك يا بوزيد ما غزيت.
يعني باتيلي الذي لم يأت على مشاركة الشعب الليبي في أي حوارات يعيدنا إلى المربع الأول ويقطع الطريق على أي تحرك نحو الانتخابات، ويعمل على تمديد المرحلة الانتقالية التي أنتجتها جنيف، ويلاحظ تركيز باتيلي على منظمات المجتمع المدني والقوى الأمنية الفاعلة، يعني أذرع المخابرات الأجنبية والميليشيات المتحكمة في المشهد الأمني في العاصمة.
هذا ما توقعناه وما نبهنا منه، وكل ذلك نتيجة للتدخل الخارجي الذي يصر على المضي بنا أطول فترة في الفوضى ويصم آذانه ويغمض عينيه عن أي محاولة للحل والخروج من هذا الوضع الذي أثبتت الأحداث وتسلسلها منذ اندلاعها عام 2011 أنها تخدم مصالح الدول التي شاركت في العدوان على الدولة الليبية ولا تزال تدير الوضع الفوضوي فيها.
وعليه ما حك جلدك مثل ظفرك، وعلى الليبيين أن يوحدوا صفوفهم ويجمعوا جهودهم من أجل العمل على البحث عن وسيلة تُخرجهم من هذا النفق وتنتشلهم من غيابات الجب الذي وضعهم فيه التدخل الخارجي، وعليهم سد الأبواب والنوافذ أمام جميع العواصف الخارجية التي ستقتلعهم من جذورهم وتحيلهم إلى العدم.
اليوم نتصارع على حكم وطن، نخشى أن يأتي يوم لا نجد وطناً نعيش فيه.