خيبة أمل الإخوان في فوز أردوغان
محمد جبريل العرفي
منذ فوز حزب العدالة والتنمية عام 2002 تحولت أنقرة إلى معقل للإخوان، ووصل أردوغان في ذروة سلطته. بتحييده “الدولة العميقة” العسكرية والقضائية، وتقويته للاقتصاد التركي، وتمتعه بأغلبية برلمانية التي يفتقدها الآن.
بعد صعود الإخوان 2011 خلعت تركيا جلباب سياسة “الصفر مشاكل” مقابل الإبقاء على أواصر علاقاتها مع الجماعة، مما وضعها في خلافات سياسية مع الدول التي قدرت- مبكرا- خطر الإخوان على المنطقة العربية بأسرها، فاندلعت حرب باردة بين تركيا وقطر من جهة والسعودية والإمارات ومصر. اشتبك الجانبان في ليبيا منذ 2014 وحصار قطر عام 2017. كادت تتحول عام 2020 إلى صدام مسلح بعدما لوح الرئيس السيسي بالتدخل العسكري في ليبيا قائلاً بوضوح “سرت – الجفرة” خط أحمر.
قبل الجولة الثانية من الانتخابات، نشرنا في العدد 147 من هذه الصحيفة مقالاً بعنوان “انتخابات الرئاسة التركية: بين الدين والقومية والثأر والبرجماتية”.
خلصنا فيه أن الليبيين انقسموا إلى ثلاث فئات، هي أتباع المفتن يتمنون فوز أردوغان ويكفرون من لا يصوت له، وفئة يتمنون خسارته لأسباب ثأرية، بينما نحن في الفئة الثالثة رأينا أن منافسه أوغلو مدعوم من الغرب العدو التاريخي للعرب، وأن أردوغان براجماتي، فإن تولى الأمر في ليبيا رجل وطني ممكن أن يوظف العلاقة مع أردوغان لصالح الشعبين الليبي والتركي.
دعمت جماعة الإخوان أردوغان أثناء الانتخابات، وسارعت إلى تقديم التهنئة للناخبين الذين اختاروه رئيساً، وضجت مواقعهم بالفرحة، والتهليل بالنصر. لكنه خيب أملهم وصدمهم، باستمراره في فك ارتباطه معهم، بسحب الجنسيات ورفض منحها وإلغاء الإقامات، مثلما حدث مع القيادي الإخواني “وجدي غنيم” وماهر دغيم، ما أعاد إليهم هاجس تسليمهم إلى بلدانهم أو طردهم من تركيا. وفي إطار التقارب مع القاهرة، عملت أنقرة على وقف الهجوم من قنوات «الإخوان» ومنصاتهم الإعلامية، وأوقفت بث عدد من القنوات، وبرامج بعض الإعلاميين، وأغلقت مقار الإخوان، ومنعت المطلوبين لمصر من مغادرة البلاد، حتى لا تفقد ورقة مساومة في سعيها للتقارب مع مصر، ومد الأمن التركي نظيره المصري بمعلومات عن تحركاتهم، كما تخلت عن إخوان تونس، رغم أنها أول دولة دانت حل البرلمان، وقد تتم مراجعة اتفاق النهضة التجاري لأنه أضر بالاقتصاد التونسي.
قدرت أنقرة أن التضحية بالإخوان سبيلها نحو تحسين علاقتها بالقاهرة والرياض، وأنها المخرج من أزمتها بعد أن عبثت طيلة سنوات بأكثر من قطر عربي.
اضطرت أنقرة إلى الوسيط القطري الذي نجح على هامش كأس العالم في تحقيق المصافحة بين السيسي وأردوغان، لكن أهم الشروط المصرية للتطبيع هي تسليم العناصر الهاربة المتورطة في عمليات إرهابية، والالتزام بمعايير القانون الدولي وخاصة احتياطات الغاز في شرق المتوسط، وخروج تركيا غير المشروط من الأراضي الليبية، ووقف التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية.
رفعت المعارضة السورية الراية البيضاء لفقدانها دعم تركيا، بعد تطبيع علاقتها مع مِصر وسورية ودول الخليج.
ويمكن رصد سبعة أسباب رئيسيّة تقف خلف موقفِ أردوغان:
الأوّل: تحسب أنقرة خطواتها بميزان المصالح الاقتصادية والسياسية، فبعد أن انتهى دور الأحزاب الإسلاموية وانحَرقت ورقتها، تخلّى عنهم جميع حُلفائهم باستثناء الإنجليز.
الثاني: انتهاء المؤامرة التي قادها التيار الإسلاموي في الوطن العربي، بعد ثبات ثورة مصر بقيادة الرئيس السيسي وانتصار الدولة السوريّة، والثورة الثقافية لمحمد بن سلمان، وسُقوط حُكم الإخوان في السودان وتونس وفشله في ليبيا.
الثالث: وقوف الرئيس أردوغان في خندق التّحالف الروسي الإيراني السوري، وإدارته لظهره لأمريكا والدّول الأوروبيّة بعد انحيازها للمعارضة، ودعم أمريكا لمحاولة الانقلاب العسكري عليه ليلة الانتخابات.
الرابع: خشية أردوغان من انتِشار التطرف الإسلامي في الوسط الاجتماعي التركي.
الخامس: الأزمة الاقتصاديّة التركية سيغذيها الغرب، فجميع الدول التي يُمكن أن تُقدّم له الدّعم (باستِثناء قطر حاليًّا) مُعادية للإخوان المُسلمين.
السادس: أردوغان لا ينتمي فكريا للإخوان، بل استخدمهم أداة لتنفيذ أجنداته، ولقد سمعناه “يقسم بشرفه وعرضة بأن يحافظ على مبادئ أتاتورك وإصلاحاته والجمهورية العلمانية”، فمشروعه قائم على ركائز الدولة القومية التركية العلمانية، مما يفند قول المفتن إن فوز أردوغان نصر للإسلام.
السابع: تورط العديد من الشخصيات الإخوانية في الاتصال بالمعارضة مثل حزب السعادة، وحزب العمال الكردستاني.
هذا الوضع يضعنا أمام احتمالين إما أنه ستغل يد الأتراك عن التدخل السلبي في ليبيا، أو أن مرض السرطان سيغيب أردوغان مما سيفجر اندلاع حرب أهلية بين التيارين المتصارعين داخل تركيا مما سيعيدها إلى بداية الثمانينيات.
على القوة الوطنية أن تستثمر هذه الفرصة السانحة لصالح الوطن.