هل ابتدأ العد العكسي للدولرة؟
عبدالفتاح الشريف
كثر الحديث مؤخرا عن انتهاء هيمنة الدولار De-dollarization على الاقتصاد العالمي وتقلص سيطرة العملة الخضراء على المعاملات الدولية، ويستبعد أن تنتهي هذه الهيمنة في المدى القريب، وذلك لثقة الحكومات والشركات وكذلك الأفراد حول العالم في العملة الأمريكية، بالإضافة إلى قوة الاقتصاد الأمريكي وسيطرته على جزء كبير من الاقتصاد العالمي الذي يجعل من الصعب جدا الانفكاك عن الدولار في هذه المرحلة، وتعتمد هذه الهيمنة على عدد من العوامل الاقتصادية والسياسية والجيوسياسية التي يصعب توقعها.
وترجع سيطرة الدولار على الاقتصاد العالمي الى اتفاقية بريتون وودز الموقعة سنة 1944، والتي أسست لهيمنة العملة الخضراء على المعاملات الدولية، وذلك لأن الولايات المتحدة الأمريكية كانت تتمتع بقوة اقتصادية لا مثيل لها في تلك الفترة، خلافا لأوروبا التي أنهكتها الحرب العالمية الثانية وأضعفت اقتصادها ودمرت بنيتها التحتية، كما كان لديها قوة عسكرية تتمثل في الأساطيل البحرية والطائرات الحربية والأسلحة البرية المتطورة مما أقنع المتفاوضين في بريتون وودز بقبول الدولار كعملة أساس لنظام سعر الصرف الثابت في ذلك الحين، حيث ارتبطت عملات الدول الأخرى بالدولار الأمريكي الذي ارتبط سعره بالذهب على أساس دولار/ الأوقية، مما حتم على الدول الأخرى ربط عملاتها والحفاظ عليها بشراء وبيع الدولار الأمريكي بعملاتها الخاصة.
ويساهم الدولار الأمريكي بنسبة 60 % من مدخرات البنوك المركزية حول العالم، بينما يمثل اليورو ما نسبته 21 % من هذه المدخرات، في الوقت الذي لا تزيد فيه نسبة الين الياباني عن 5 % من هذه المدخرات، بينما سعت البنوك المركزية في السنوات الأخيرة لزيادة احتياطياتها من الذهب وخاصة بعد تجميد الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا لأرصدة روسية قيمتها تتجاوز 300 مليون دولار، حيث ارتفعت كمية الذهب لدى المصارف المركزية إلى 35.715 طن، وذلك في آخر إحصائية لمجلس الذهب العالمي.
ونتيجة لارتفاع مساهمة الدولار في الصادرات العالمية بحوالي 40 % زاد حجم الضغوطات على الدول النامية والناشئة والفقيرة بسبب اعتمادها على الواردات المدفوعة بالدولار الأمريكي، وأدى إلى انخفاض قيمة عملاتها أمام الدولار وارتفاع معدلات التضخم المستورد بهذه الدول مما دفعها إلى التفكير في فك ارتباطها بالدولار تفاديا لتعرضها للعديد من المخاطر الاقتصادية والسياسية.
ويساهم الدولار الأمريكي بما نسبته 50 % من قيمة القروض الخارجية وسندات الدين الدولية المقومة بالدولار مما يعرض الدول المقترضة لتبعات سياسات التيسير أو التشديد المالي التي يتبعها الفيدرالي الأمريكي.
كما أدى ارتفاع سعر صرف الدولار أمام عملات البلدان النامية والناشئة إلى ارتفاع أسعار السلع المقومة بالدولار، حيث اضطرت هذه البلدان إلى استيراد التضخم الأمريكي، وبالتالي بدأت هذه الدول تدريجيا في الابتعاد عن التعامل بالدولار مما يقلل من تعرضها للعديد من المخاطر الاقتصادية والسياسية.
وإذا ما استبعدنا احتمال نهاية الهيمنة الدولارية فإننا لا نستطيع أن نستبعد تحقيق توازن بين الدولار والعملات الرئيسية الأخرى مثل اليورو واليوان والين والفرنك السويسري، سواء في التبادل التجاري أو في سلة الاحتياطيات لدى المصارف المركزية أو في إصدار أدوات الدين الدولية.
وعلى الرغم من انتشار استعمال الدولار كعملة احتياطية تستخدم بشكل كبير في التجارة الدولية والمعاملات المالية إلا أن العديد من الدول تسعى إلى تنويع محفظتها النقدية ببعض العملات الأخرى مثل اليورو والين الياباني والفرنك السويسري واليوان الصيني، إلا أن الدولار لا يزال في صدارة العملات الأساسية في النظام المالي العالمي، مستندا على القوة الاقتصادية والعسكرية الأمريكية، وكل ذلك لم يحل دون التقلص التدريجي في الدور الذي يلعبه الدولار في الاقتصاد العالمي، وأن إلغاء أو تقليل اعتماد العالم على الدولار لم يعد أمرا مستبعد الحدوث، وعموما ابتدأ التفكير الجدي في إنهاء سيطرة الدولار بعد قيام الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون بتجميد الاحتياطيات الروسية وحرمان روسيا من استخدام نظام السوفيت، ومن الطبيعي أن تصبح هذه التطورات مصدر قلق وتهديد للأمن القومي الأمريكي، حيث أدت عملية التجميد إلى تصاعد الدعوة إلى البحث عن بدائل للدولار، وقد تم بالفعل إبرام العديد من الاتفاقيات التجارية الثنائية بعيدا عن الدولار كما هو الحال في استعمال اليوان الصيني في التبادل التجاري بين روسيا والصين وكذلك بين المملكة العربية السعودية والصين وبين الصين والبرازيل حيث ارتفعت حصة اليوان في تمويل التجارة الدولية من 2 % إلى 4.5 %، كما بدأت مجموعة البريكس في التفكير جديا في إصدار عملة خاصة بالمجموعة، أي أن الخروج من الدولرة لم يعد احتمالا مستبعد الوقوع، ولكنه أصبح قضية وقت ليس إلا، حيث تشير بعض التحولات في الاقتصاد العالمي والتي أشرنا إلى بعضها إلى تقلص الدور الحالي للدولار في العالم وبداية العد العكسي لهيمنة الدولار.