معوقات الانتقال نحو الديمقراطية في ليبيا
أبو بكر خليفة
ما الذي يحول بين الليبيين وتحقيق خطوات حقيقية خارج دوامة هذه المراحل الانتقالية التي أعقبت تداعي الدولة الليبية، وتحولها فعليا إلى إقليم ممزق متباعد، بفعل عوامل متعددة؟، وتظل معادلة تحقق الاستقرار في ليبيا ترتبط بنجاح العملية الديمقراطية حسب رؤية المجتمع الدولي، وذلك عبر انتخابات رئاسية وبرلمانية، توحد المؤسسات وتسبغ الشرعية عليها وترسي أسس الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وتوحد المؤسسة العسكرية والأمنية، ويمكن حصر معوقات الانتقال نحو الديمقراطية في ليبيا في النقاط التالية:
عدم الوصول إلى توافق حقيقي: حيث يؤدي عدم وجود التوافق في الآراء بين الجهات المجتمعية والسياسية الفاعلة في ليبيا حول اتجاه المستقبل السياسي والاقتصادي للبلد إلى إعاقة نجاح الانتقال إلى الديمقراطية، ما بين سلطتين تنفيذيتين وسلطتين تشريعيتين وميليشيات تتوزع في طول البلاد وعرضها مع مشروع مؤسسة عسكرية متعثر، وفي الكثير من الحالات يتضح اهتمام اللاعبين السياسيين بتوطيد سلطتهم أكثر من اهتمامهم ببناء المؤسسات الديمقراطية.
-التدخل الإقليمي والدولي: بلا ريب ولا جدال يساهم التدخل الإقليمي والدولي بشكل كبير في ليبيا في إعاقة نجاح الانتقال إلى الديمقراطية، حيث لعب هذا التدخل السافر أدواراً في كل أطوار الصراع ولم يزل، وحيث ما زالت الجهات الخارجية القوية تسعى إلى التأثير على نتيجة التحولات السياسية، وغالباً ما تكون أكثر اهتماما بتعزيز مصالحها الخاصة بدلا من دعم القيم والممارسات الديمقراطية.
-الضعف المؤسسي: أدى التشظي والانقسام السياسي ودورات العنف المتعاقبة في ليبيا إلى ضعف المؤسسات، وبالتالي تقويض سيادة القانون، مما يجعل من الصعب إقامة ديمقراطية مستقرة، وغالباً ما يكون الفساد أحد أعراض ضعف المؤسسات، ويؤدي كما في الحالة الليبية إلى تقويض ثقة الناس في العملية الديمقراطية.
-الانقسامات القبلية والجهوية والعرقية: حيث أدت هذه الانقسامات في ليبيا إلى تعميق الشرخ وتباعد الشقة بين أبناء الوطن الواحد، وبالتالي إلى عدم توافق في الآراء حول القيم والممارسات الديمقراطية، وفي الكثير من الأحيان أدت هذه الانقسامات إلى دورات من العنف والصراع الأهلي، الأمر الذي يزيد من صعوبة إقامة ديمقراطية مستقرة.
-ضعف المجتمع المدني: لا شك أن المجتمع المدني في ليبيا يتسم بالضعف الشديد، مما يجعل من الصعب محاسبة المسؤولين الحكوميين وتعزيز القيم والممارسات الديمقراطية، إن وجود مجتمع مدني قوي ضروري لنجاح الانتقال إلى الديمقراطية، حيث يمكن أن يوفر رقابة على سلطة الدولة ويساعد على ضمان استجابة الحكومة لاحتياجات مواطنيها.
-عدم تحقيق المصالحة الوطنية الشاملة: هذه المصالحة التي تتطلب مجهودات كبيرة في الحالة الليبية، كما تتطلب وجود إرادة سياسية حقيقية لتحقيق هذا الهدف، ولاتخاذ هذه الخطوة الكبيرة، فإن الأمر بلا شك يتطلب من الأطراف المتنازعة الإقرار بالأخطاء الماضية والاعتراف بالمسؤولية عن الجرائم، كذلك على هذه الأطراف المتنازعة الإقرار بحقوق الجميع في الحرية والديمقراطية والمساواة والعدالة الاجتماعية والاقتصادية، كما يجب أن تتم المساءلة القانونية للمسئولين عن الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب وجرائم الفساد، كما يجب على الأطراف المتنازعة تقديم التعويضات للضحايا وعوائلهم، كما يجب على الأطراف المتنازعة العمل على إعادة بناء المؤسسات المدمرة في سبيل تحقيق الاستقرار والتنمية، على أن يتزامن كل ذلك مع تقديم الدعم الدولي الحقيقي والفاعل من قبل المجتمع الدولي بدعم لا شائبة أو شبهة فيه لعملية المصالحة الوطنية الشاملة، عبر تقديم المساعدات المالية والتقنية، والدعم السياسي والدبلوماسي