خسرت المعارضة ولم ينجح أردوغان
علي الصغير
الشعب التركي كغيره من شعوب العالم الثالث لا يختلف كثيرا عن الشعوب العربية التي تتقاسم معه الإرث الديني والموروث الثقافي والقرب الجغرافي، فينتج تشابه في الكثير من المؤثرات التي تغير الاتجاهات البيئية وتحدد كيف يتشكل الرأي العام، عندما يتعلق الأمر بالانتخابات، الرئاسية كانت أم البرلمانية.
ونستطيع القول إن غالبية الشعب التركي يحددون مواقفهم السياسية وميولهم الانتخابي وفقا لسلوك ومنهجية (قراءتها في الجورنال) بالتركي (جازيتا سي قوردم)، بمعنى أنهم يصدقون ويتأثرون بشدة بما يصدر عن وسائل الإعلام كالصحف والمجلات والقنوات المسموعة والمرئية في الزمن السابق، وحاليا تعدد القنوات والمواقع الإلكترونية الدعائية ومواقع التواصل الاجتماعي فيسبوك وتويتر ويوتيوب، وتيك توك.
وقد تغير جملة من كلمتين أو ثلاث يطلقها المرشح ضمن حملته الانتخابية، حتى وإن كانت غير منطقية وغير قابلة للتطبيق فيتلقفها البسطاء وتنتشر بينهم كالنار في الهشيم، فتغير ميولهم ويحصد مطلقها الكثير من الأصوات، مثل ما فعل سليمان ديميريل في مطلع التسعينيات لكي يفوز بالرئاسة عندما قال (وعد لكل تركي مفتاحين مفتاح شقة ومفتاح سيارة) بالتركي (سوز فيريور هير كز ايكي انهتار).
فحصد أغلب الأصوات مخالفا لكل التوقعات والتكهنات التي أكدت ضعف حظه في الفوز وبقي رئيسا إلى سنة 2000.
أما رجب طيب أردوغان الذي أسس حزب العدالة والتنمية سنة 2001 فقد استخدم مهارات تعتمد على الخداع للتمكين، وأيضا استخدم أعلى درجات البراغماتية وعقد تحالفات بالخداع ويتخلى عنها كلما شعر بأن سطوة شوكته قد تنامت.
والواقع أن تاريخه السياسي مشوه ويغص بممارسات غير أخلاقية للوصول إلى السلطة، تعمد فيها الأكاذيب وقمع المنافسين وملاحقة كل من يعارضه.
أردوغان الذي دوخ أغلب السياسيين والقادة الغربيين لدرجة أنهم لم يستطيعوا تحديد ميوله الحقيقي واعتباره صديقا أم عدوا.. هل هو علماني؟ هل هو ليبرالي؟ هل هو قومي عصمانلي؟ هل هو قيادي في تنظيم متطرف ولا يخطط بمفرده؟ هل يؤمن بالرأسمالية والاقتصاد الحر وإلى أي مدى؟
إلا أن حقيقته منذ بزوغ نجمه عندما كان عميد بلدية إسطنبول ومتكأ على شعبية نجم الدين أربكان، وكيف انه خدع أربكان بانضمامه هو واحمد داوود أوغلو وعبدالله غول إلى حزب الرفاه، وهم أصلا ينتمون إلى جماعة الإخوان المسلمين..
ونجم الدين أربكان الذي أسس حزب الرفاه كما أسلفنا هو زعيم سياسي وديني أسس حزبا يعبر عن الإسلام السني الوسطي في مواجهة التطرف والغلو، وقد كان أربكان أحد الأعضاء البارزين في جمعية الدعوة الإسلامية العالمية التي أنشأتها ليبيا وتأثر كثيرا بالطرح الوسطي المزدهر الذي تتبناه ليبيا في ذلك الوقت.
واستطاع حزبه أن يتنامى بشكل سريع إلى أن وصل إلى تقاسم السلطة وتشكيل الحكومة في تحالف جمعه مع تانسو تشلر رئيسة حزب الوطن الأم الذي أسسه ترغوت أوزال الموالي لليبيا، وأصبح أربكان رئيس وزراء لسنتين وتانسو تشلر للسنتين الباقيتين..
في هذا الوقت تغلغل الثلاثي (أردوغان ـ أوغلو ـ غول) في صفوف الحزب ليصلوا إلى قيادات الصف الأول بدعم من أربكان الذي لا يعلم أنهم مكلفون بالانضمام لحزبه الذي أصبح يشكل خطرا على التنظيم العالمي الإخوان، وبالتالي الانقلاب على أربكان وتفجير الحزب سياسيا.
وهذا ما حصل، انتهى أربكان وحزب الرفاه الذي تغير إلى حزب الفضيلة، ثم ألغي وفتح المجال لأردوغان لتأسيس حزب العدالة والتنمية.
وكلنا يعلم سياسة الصفر مشاكل التي أطلقها وأوصلته إلى سدة الحكم بتحالفه مع أقوى حزب يمثل القوميين الأتراك، فأردوغان وجماعته خبروا جيدا من أين تؤكل كتف الحكم، واعتمدوا سياسة التمكين للسيطرة.. فسيطروا على كل شيء وغيروا حتى نظام الحكم الذي اعتادت عليه تركيا منذ عقود وهو النظام البرلماني. فحولوه إلى نظام رئاسي وأصبحت الدولة بدون رئيس وزراء، وكل السلطات في يد الرئيس أردوغان، وأصبح البرلمان لا يختار الحكومة ولا يكلف رئيس وزراء، صلاحيات رئيس الوزراء انتقلت لرئيس الجمهورية، ولا يصادق عليها فأصبح البرلمان يضع التشريعات فقط.
والمتتبع لخطوات أردوغان في الفترة الأخيرة من رئاسته قبل انتخابات 2023م يلاحظ أنه قاد حملة تصحيحية مخادعة غير فيها من سياساته وخاصة الخارجية وتقرب من عدة دول كان يناصبها العداء، وحاول التخلص من الجماعات الإرهابية التي كان يستخدمها في نزواته وغزواته، وتفرغ للانتقام من خصومه والانقلاب على داعميه ومنهم رفيقاه داوود أوغلو وغول، كما هي عادة تنظيم الإخوان، وبدأ يفرض سيطرته على كل المقدرات (الإعلام، الأمن، القضاء. الجيش) بعد تنقيته فيما عرف بالانقلاب العسكري.
وصار متيقنا من أن منافسه أو خصمه لن يستطيع الاستفادة من إمكانيات وموارد الدولة ومن أجهزتها لصالح حملته وجعل المعارضة محاصرة لا تستطيع توصيل صوتها للرأي العام لأن الإعلام وأدواته، تحت قبضة أردوغان وجماعته، فلا توجد أي فرصه للمنافسة أو حتى فضح جرائم أردوغان الكثيرة، حتى التجمعات في الساحات والميادين التي ترغب تنظيمها أحزاب المعارضة أو الموالون للمرشح المنافس لأردوغان، تتعرض للمضايقات من بلطجية أردوغان ومن أجهزة وأذرع الأمن التي يسيطر عليها.
والخلاصة أن أردوغان لم يفز بانتخابات الرئاسة وفقا للمعايير والأسس والأعراف التي تشترط التكافؤ في الفرص والتوازن بين المتنافسين والحيادية من مؤسسات الدولة، إنما البلطجة ومنح الجنسية لمئات الآلاف من الأجانب فقط لأنهم ينتمون لتنظيم الإخوان وسيصوتون له، وأيضا السيطرة على المنابر الإعلامية وقمع المعارضين كل هذه الأسباب غير الأخلاقية هي التي جاءت به من جديد، إلى كرسي الرئاسة في انتخابات 2023.