ديمقراطيتهم تكشر عن سنها الأصغر
علي حبيب
كثيرا ما نسمع مصطلح الحرب الباردة بين هذا الفريق وذاك، والتي عادة ما تكون أسخن من الحرب الساخنة، فالكل يبتسم للكل والكل يضمر الغل للكل، ولكنها تبقى حربا، وواجب كل طرف منها أن يحتاط من الطرف الآخر، جربت علينا كل أنواع الحروب وحققت في كثير من تجاربها نجاحا منقطع النظير، الباردة منها والأشد برودة، فنحن قوم ننبهر بالقادم إلينا من الغرب، وذاكرتنا قصيرة المدى نحفظ أبيات شعر المتنبي في الفخر وننسى ما هو الفخر، نعيد إحياء ملحمة عنترة وعبلة في أفلامنا ومسلسلاتنا وننسى أن عبلة كانت أنثى وعنترة ذكر.
تشدنا أفلام هوليوود وذلك الرجل الخارق ذو العينين الزرقاوين والشعر الأصفر اللامع الذي يستطيع أن يدمر جيوشا إسلامية بأكملها دون أن يصاب بخدش بسيط، بل ونرتدي قمصانا على صدورنا تظهر فخرنا به.
نعرف أن الكونجو بلد أفريقي، ولكننا ننسى كيف فعل بها البلجيكيون إبان احتلالها بقيادة الملك (ليوبولد الثاني) الذي حكمها لمدة ثلاثة وعشرين عاما واشترط على كل جندي من جنوده أن يقطع يدا يمنى لأحد أبناء قرية (والا) الكونغولية والذين لم يجمعوا له من المطاط ما كلفهم به بل وأصبحت إطراف الكونغوليين عملة رائجة يقايض بها الجنود بعضهم البعض.
تستهوينا منصات المناظرة التي قدمت لنا عبر منظمات نجهل ماهيتها ومرجعيتها، بل ولا نهتم أصلا لذلك، لأن ما يقدم من خلالها يستهدف شبابنا المراهق ويقدم لهم ما يشد انتباههم في طريقة العرض ووقت العرض وكيفية تقديمه، وقد حرصوا على أن يكلفوا علماء نفس بإعداد مواضيع المناظرات بعد دراسة وافية كافية عبر منظماتهم لعاداتنا وتقاليدنا وحياتنا واستطاعوا من خلالها أن يعرفوا كل صغيرة وكبيرة عن حياتنا بل حتى أنهم يعرفون الفرق ما بين (الزميتة والروينة) وأيهما يفضل الناس وكيفية الرفس الصحيح للبازين وكم نوعا من (لفتات) الذي تشتهر به المنطقة هذه أو تلك، بل عرفوا حتى كيفية إعداد (العصبان والتافريته) ووضعوا دروسا عن فوائد المثرودة على الصحة العامة.
نعم أصبحت تلك المنظمات جزءا من حياتنا لا غنى عنه، فهي المنقذ للمدرسة التي تحتاج لمقاعد للطلاب، وهي السند للأسر النازحة جراء الحروب البينية التي أشعلتها في الأصل وقادتها هم أصحاب البرامج التقدمية التي تفتح لشبابنا آفاق الانطلاق إلى المستقبل الرقمي الواعد من خلال دوراتهم التي يستقدمون فيها شبابنا في الداخل والخارج ويغدقون عليهم من الدولارات وأحيانا اليورو ما يكفيهم لحضور سهرة ممتعة يحييها فنان يناصر المثلية ويدعو لها، ومن خلال ذلك بإمكان الشباب مناقشة كل المواضيع في المناظرات التي سيكون الفائز فيها حاصلا على جائزة مميزة فيمكن مثلا مناقشة (هل أنت مع أو ضد زواج المرأة من أكثر من رجل؟ ما رأيك في حرية الإنسان؟ وهل له الحق في اختيار جنسه؟ هل أنت مع أو ضد حرية الشاب والشابة وخروجهما عن دائرة الأسرة التي تكبل حريتهما برقابتها على تصرفاتهما؟) ومواضيع كثيرة، وأخيرا يظهر تأكيدهم على جديتهم في ذلك من خلال مناصرتهم لكل ما يغضب الله وها هو مثال حي على ما نقول.
فالديمقراطية الجديدة أوصلت (ادغارز رينكيفيتش – البالغ من العمر 49 عاما) والذي أعلن عن مثليته بكل افتخار منذ العام 2014 وكان يشغل منصب وزير خارجية دولة لاتفيا ليصبح أول إنسان مثلي رئيسا لدولته والتي تعتبر إحدى دول البلطيق في ظل تشجيع من البرلمان الذي اختاره لهذا المنصب، ولتبدأ مرحلة جديدة من الحرية التي كانوا وما زالوا يعدون العدة لتطبيقها، ويبقى سؤال يبحث عن إجابة: هل يقبل رؤساء المستقبل في عالمنا شرط أن يكونوا مثليين ليصبحوا رؤساء بلدانهم، حسب المقاييس الأوروبية التي تفصل لهم ما يلبسون؟