تقارير لا تساوي الحبر الذي كتبت به

ناجي إبراهيم
صرح شكشك رئيس ديوان المحاسبة بحكومة طرابلس، بـ(أن صيانة أحد الفنادق التابع لشركة الاستثمارات الخارجية كلفت 166 مليون دولار أي أن الغرفة الواحدة تكلفت 700 ألف دولار، عشرة أضعاف قيمتها وفقاً لأسعار السوق، وأضاف إن (رئيس الشركة الليبية للاستثمارات الخارجية رئيس لأكثر من ست شركات في الخارج).
السؤال الذي يطرح نفسه:
هل ما زال هذا المسؤول يمارس مهامه؟
هل تحرك النائب العام في مثل هذه القضية؟
لم يكن هذا هو التصريح الأول لشكشك، بل شهدنا تصريحات وتقارير عديدة تظهر حجم الفساد الذي تمارسه بعض الأجهزة والمؤسسات وتكشف الهدر غير المسبوق للمال العام، وكان ديوان المحاسبة قد نشر تقريراً مطولاً العام الماضي تحدث فيه عن عمليات فساد وتجاوزات طالت أغلب المؤسسات والجهات الرسمية.
الذي لم نشهده هو عرض هذه الملفات الخطيرة على القضاء وتدخل النائب العام في مثل هذه القضايا.
متى سيتحرك النائب العام إذا لم يتحرك في مثل هذه القضايا؟
هل توجد أطراف داخل الحكومة تغل يد النائب العام عن تحريك هذه الملفات وعرضها على القضاء؟
من يحمي الفساد الذي تتحدث عنه تقارير ديوان المحاسبة؟
تقارير ديوان المحاسبة وتصريحات شكشك تعكس الوضع المأساوي والدرك الذي انحدرت فيه الدولة الليبية في ظل غياب الرادع وتعطيل القانون.
إن ما يجري يوضح بشكل جلي الفشل والعجز الذي ضرب أهم أعمدة الدولة وهو القضاء.
كيف ينتهي هذا العبث؟ وما الآليات التي توقف هذا الهدر للمال العام؟
ما شجع على هذا السلوك وجعل بعض الموظفين يتجرؤون على أموال الدولة والتعامل معها على طريقة الغنيمة هو إفلات الفاسدين من الملاحقة القانونية وتنفيذ العقوبات الرادعة، الأمر الذي يسير بالدولة نحو الفشل، بل السقوط في وحل الضعف والهوان الذي شجع من في قلوبهم مرض وطمع إلى اعتبارها غنيمة (طاح بيت أمك خود منه عمود).
ما معايير الفشل؟
أول معيار وعنوان للفشل والفشل الذريع هو التقرير الذي ينضح فساداً الذي صدر عن ديوان المحاسبة والرقابة الإدارية وغياب أي استجابة قضائية تردع الفساد وتحاسب الفاسدين وتحمي مقدرات الشعب التي ضاعت بين أقدام المبتدئين ومراهقي السياسة والفاشلين.
مثل تلك التقارير وهذه التصريحات تصبح هي والعدم سواء ولا تساوي الحبر الذي كتبت به إذا لم تنتج أحكام قضائية تطال المتسببين في ارتكاب تلك الخطايا والجرائم، وما لم يترتب عنها تغييرات تشمل كل المواقع والمراكز والمؤسسات الإدارية بقرارات تعبر عن قوة الدولة المسنودة بقضاء حر ونزيه وقوي ومستقل ومحايد ولا يتبع الهوى والهويات، قد يقول البعض التقرير يبين أن الأجهزة الرقابة ومنها ديوان المحاسبة ورئيسه قامت وبشكل مهني بكشف هذه المخالفات والتجاوزات للرأي العام وبرأت دمتها وليس لها من الصلاحيات غير تسجيل وتوثيق ونشر ما أعلنت عنه.
هذا ليس كافيا والاكتفاء بالمتابعة والوقوف عند هذه الخطوط يسلبها سلطتها القانونية واختصاصاتها التي منحتها الرقابة السابقة والضبطية القانونية التي تجيز لها التوقيف والإحالة على القضاء، واذا وجدت قوى متنفذة تنكر عليها صلاحياتها في مثل هذه الحالة وجب أن تعلن هذا لليبيين وتتخلى عن ممارسة هذه المهام والتي صار وجودها يتساوى مع عدمه حتى لا تتحول إلى سلطة إعلام لمن يهمه الأمر، وعلى رئيسها أن يقدم استقالته للجهة التي كلفته ويبرئ ذمته من ما يترتب على هذه الإخلالات من جرائم تضر بمصلحة الشعب الليبي.
رئيس ديوان المحاسبة وكل الأجهزة الرقابية يتحملون المسؤولية الأخلاقية والقانونية عن كل ما يترتب وترتب على جميع عمليات الفساد التي وردت في تقاريرهم ولسانهم ما لم يحدث أمر من اثنين إما أن تحال هذه القضايا إلى القضاء ليقول كلمته أو أن يعلنوا تخليهم عن مواقعهم حتى لا يصبحوا مشاركين بالامتناع عن الفعل الذي خوله لهم القانون، وتلك جريمة لا تقل خطورتها عن الجرائم التي وردت في التقارير.
والمسؤولية المهمة تقع على المؤسسات التشريعية التي كلفت هذه الأجهزة الرقابية والتي صمتت وسكتت رغم هذا الحجم الرهيب من المخالفات التي تطال المال العام ولم تفتح تحقيقا سياسيا أو قانوني لجلاء الحقيقة.
ومن مظاهر الفشل وغياب أي دور لما يسمى بالدولة هو عجز الأجهزة التشريعية عن التعامل مع تقارير أجهزتها الرقابية رغم خطورتها.
هذا يعتبر تسليما لا مبرر له في أهم وظيفة برلمانية، وهو دورها الرقابي والذي لا تقوم له أي أدوار ووظائف أخرى بدون تفعيل آلية الرقابة والتي تعتبر عينه وأذنه داخل كل الأجهزة والإدارات، هل يمكن أن نتحدث عن دولة في ظل هذا الفشل والشلل والانقسام السياسي والمؤسسي الذي بات بيئة مواتية لتفريخ الفساد الذي تحدث عنه تقرير ديوان المحاسبة؟