مقالات الرأي

مجالس المهاترات.. ويبقى للشعب كلمة

محمد مخلوف :

إن تجربة الشعب الليبي بعد ما كشفته أحداث 2011 التدميرية الممنهجة التي دبرتها القوى الكبرى لإسقاط الدولة الليبية في أكبر عملية اجتياح عالمية في العصر الحديث استخدم فيها أكبر الأحلاف عدة وعتادا (حلف الناتو) الأسلحة العسكرية التدميرية المتطورة، وحتى المحظورة دوليا، من أجل إسكات الصوت التحرري والنهضوي والتقدمي والإنساني المناهض لسياسات تلك القوى الغربية العاتية.
لقد كشف الشعب الليبي من خلال تجربته ويقظته سياسات الحوارات المشبوهة، ومؤتمرات القمم ولقاءات شراء الذمم وما أكثرها.. قد انتهت يقينا عند الشعب الليبي في حالتين.
الأولى إما ما يشاهده الليبيون تحت خلافات أصحاب الجلالة والفخامة والسمو في مجالس السلطة العتيدة، وهم يكيدون التهم لبعضهم البعض، ويعودون مرات المرات فيغرسون ذلك الخلاف وهو تعميق سلبي للأزمة الليبية، واستمرار معاناة الليبيين، التي أصبحت لا تطاق، وتكريسا لدعوات الانفصال والتجزئة والانقسام، متخذين كلا منهم الشرعية لنفسه والأحقية والنزاهة والوطنية كشماعة دون الآخرين.
أما الثانية فتضامن تلك الأطراف السياسية المتعددة المتتالية المتواجدة على المسرح السياسي في المشهد الليبي، وهي تتهادن في الخفاء، كل يسكت عن الآخر، وعن سقطاته الفاشلة، لأجل إطالة أمد الأزمة الليبية والبقاء في السلطة، وهم لا يجدونها، بقدر ما يمتهنونها غباء وتملقا فقط، وهي في الحقيقة يمتلكها من يسيطر بقوة السلاح من المجموعات المسلحة غير الشرعية، وأطرافها الخارجية.
فكل سياسات المؤتمرات والحوارات واللقاءات تعتبر مشبوهة المحتوى، ويديرها صانعو الأزمة الليبية في 2011 لأنها كانت منذ بدايتها من أهم أهداف وعوامل ضرب الإرادة الوطنية في مكمنها.
إن الهدف الأساسي للمجتمع الدولي هو الاستفادة من الموقف المخالف، وتحقيق المصالح الغربية في ظل استمرار الوضع العبثي الراهن، بأن الإيثار في تلك الاجتماعات أي شيء من شأنه أن يفجر الموقف، يعني عدم الخوض في التعرض لحيثيات الوضع الليبي والبحث في أسبابه، بل يجب الحديث كل الحديث في تثبيت الأوضاع التي أدت بالأمور إلى ما هو عليه الواقع العبثي اليوم ومنذ 12 سنة، ولو أن أصحاب الجلالة والفخامة والسمو من هم في المشهد وهم بلا قيمة، كانوا جادين في معالجة الأزمة الليبية منذ توليهم أو بالأحرى قفزهم على كرسي السلطة كان عليهم حسم الأمور، وتحديد مكامن الباطل والتورط في سفك دماء الليبيين عام 2011 منذ بدء المؤامرة وهم يدركون ما يطلب منهم وما يجب أن يبحثوه في مرة واحدة، ولكن لا يستطيعون سبيلا.
ولكن إن للجماهير الكلمة الفصل في نهاية مسرحية المهازل السياسية، لأن الجماهير الصابرة والمحتسبة والصامدة لم تبع شرفها في أسواق النخاسة السياسية، وأنها تدرك جيدا تلك المؤامرات وحجم التحديات التي تحاك ضدها والمنطقة وأهدافها الاستعمارية، فلا مهاترات المجالس العتيدة تكمم أفواه الجماهير الشعبية قول كلمتها في اختياراتها التاريخية وثوابتها الوطنية بكل الوسائل المتاحة أمامها وتسفيه محاولات الإقصاء والتهميش الذي يحاول المرجفون انتهاجه، والأدوار التفاوضية والتشريعية التي يقولون وأوهام الخلاص من مخاض الديمقراطية الزائفة، وولادة المدنية المهجنة، وأكذوبة الحريات وحماية حقوق الإنسان، ومراوغة المجتمع الدولي في طرح المخططات الاستعمارية من خلال مؤتمرات المؤامرات وهي تنسخ محتوى بعضها البعض، وفي حقيقتها تستهدف الوجود والإبادة والتضليل والهيمنة والاحتلال.
فطريق حل الأزمة الليبية لا يمر بواشنطن ولا باريس ولا لندن، بل يصنعه الليبيون دون سواهم، فلابد لهذا الشعب وأن يعد العدة يوما وفق الرؤية التي تضعها أمامه دائما قواه الوطنية لتقرير مصيره وتحرير قراره الوطني من مغتصبيه وبناء الدولة الليبية المستقلة بالمفهوم العقلاني ذات السيادة الوطنية، فالشعوب دائما لا تقهر.

زر الذهاب إلى الأعلى