مقالات الرأي

في التوطين!!

مصطفى الزائدي :

الغرب بقيادة الولايات المتحدة لا يهتم بليبيا بسبب نفطها، فما تنتجه وتصدره كمية قليلة لا تؤثر في سوق النفط الدولي، ولذلك لم تتردد في ثمانينيات القرن الماضي في استهداف قطاع النفط الليبي بالعقوبات والحصار، ولما سمحت في العقد الماضي لقاطع طريق بقفل النفط لمدة سنتين دون أن تحرك ساكنا، ربما النفط الليبي مهم لبعض الدول الأوروبية المغضوب عليها أمريكيا مثل ألمانيا وإيطاليا، لكنه أيضا غير مهم لبقية الدول الأوروبية، ما يهم الغرب في ليبيا هو مساحتها الشاسعة جنوب المتوسط وقلة سكانها، لذلك استخدمت على مر التاريخ كقاعدة لتأمين جنوب أوروبا، ولذلك جاء الرومان والإغريق قبلهم والوندال بعدهم، ولذلك نشب الصراع الفينيقي الروماني، وغزاها الإسبان، بها فرسان القديس يوحنا، وكانت ساحة مهمة في الحربين الأوروبيتين الأولى والثانية!
في تلك العصور كانت ليبيا في معظمها عبارة عن صحراء تلاطم رمالها أمواج البحر المتوسط، فلماذا كل ذلك التدافع والصراع، ولماذا ملايين الضحايا من الأوروبيين الذين قضوا في رمالها؟ لا سبب منطقي سوى أهمية موقعها لتأمين الشاطئ الجنوبي للمتوسط! وذلك يفسر أيضا أن أول حرب تخوضها الولايات المتحدة خارج حدودها هي حرب طرابلس، ورغم هزيمتها فيها فإن المارينز ما زالوا يرددون كل صباح وفي كل الأساطيل الأمريكية المنتشرة عبر المحيطات والبحار وفي كل قواعدهم: “هيا بنا نذهب إلى شواطئ طرابلس”!
وفي كل الفترات التاريخية كان الأوروبيون يعتمدون في تأمين جنوب المتوسط على التواجد الدائم لقواتهم، ولذلك بعد أن أرغم الغرب نتيجة الضغط السوفييتي على منح استقلال ليبيا، تواجد في شكل قواعد عسكرية كانت الأضخم خارج أوروبا!
اليوم اختلفت الظروف السياسية والأمنية، فاحتلال ليبيا مباشرة قد يكون صعب المنال، ليس نتيجة لتغيير في أخلاق الغرب، بل بسبب معطيات الصراع الدولي، واتجه الغرب بدل ذلك إلى مشروع الفوضى الخلاقة في المنطقة التي مكنته من تدمير السلطات الوطنية واستبدالها بأشكال صورية تمكنه من التواجد والتصرف المطلق!
لكن وضعا كهذا لا يضمن الغرب استمراره، ولا يمكنه الاعتماد عليه في بناء استراتيجية تأمين طويلة المدى لجنوب أوروبا، لذلك يتجه إلى تنفيذ خطة من جزءين، الأول تقسيم ليبيا ليمكن السيطرة عليها بسهولة، والثاني تكوين دويلة في ليبيا تتكون من مستوطنين أجانب نواتهم من مَن يسمون المهاجرين غير الشرعيين!
البعض يتهمنا بأننا من أتباع نظرية المؤامرة، وأن ما نقوله من وحي الخيال! وأنه لا يمكن أن يوجد توطين في ظل التطور السياسي على المستوى الدولي!
بالرغم من أننا نعيش نتائج المؤامرة التي لم تعد خطة في دوائر الغرب الاستخباراتية!
التاريخ القريب وليس البعيد به عملية توطين كبرى في ليبيا لم يمض على بدئها مائة عام، فلقد هجر الطليان الليبيين من الساحل وزج بسكان الجبل الأخضر وعموم برقة عموما في معتقلات إبادة حقيقية، وهجّر البقية الباقية، وجلب أكثر من مائتي ألف مستوطن، فتحول الساحل الليبي ومدنها إلى وطن للإيطاليين، حكومة طليان ومدارس إيطالية ولغة إيطالية وعملة إيطالية، وبقي من بقي من الليبيين مجرد مقيمين غير شرعيين!!
فماذا يمنع من توطين مهاجرين أفارقة وآسيويين في ليبيا خاصة جنوبها الذي يُفرغ بوتيرة متسارعة من السكان، نتيجة سطوة الميليشيات المرتبطة بالخارج في الماضي، وجعل الحياة غير ممكنة في مدن وقرى الجنوب، بالتعسير على السكان وإجبارهم على الهجرة شمالا! نظرة اليوم إلى حجم المهاجرين من الجنوب إلى الشمال تعطي صورة حقيقية لسوداوية المشهد، وقد تبين لمن على أعينهم غشاوة أن التوطين بقصد تغيير الخارطة السكانية في ليبيا صار واقعا ولم يعد مجرد مخاوف!

زر الذهاب إلى الأعلى