بوزنيقة مرة أخرى..ما الدواعي والأسباب؟
ناجي إبراهيم :
ماذا أنتجت اجتماعات بوزنيقة السابقة حتى يتم اللجوء لها هذه المرة؟
وما الذي يجعل بوزنيقة مختلفة عن أي مكان آخر في الداخل أو الخارج؟
هل ستكون أو ستنتج نسخة طبق الأصل للصخيرات؟
هل المشكلة في الأماكن أم المشكلة في أطراف الصراع؟
هل إذا لم يجدوا مكانا يتسع لهم (وهم مجموع ستة أفراد) في كامل جغرافيا ليبيا (بمرابيعها) يكتبون فيه قاعدة لإجراء الانتخابات، هل سيجدون مكاناً لأجراء الانتخابات بعيداً عن المخاطر والضغوط التي دفعتهم للقاء في بوزنيقة، وهل سننقل الليبيين جميعاً لينتخبوا سلطتهم إلى بوزنيقة؟
انتقال لجنة (6+6) إلى بوزنيقة لمواصلة بحثها في التوافق على قاعدة دستورية، دليل صارخ على أن الحل في ليبيا لا يتعلق بوجود قاعدة دستورية من عدمه، الوصول إلى قاعدة دستورية يتطلب جهدا كبيرا لرفع كل الأسباب التي منعت التئام الاجتماعات داخل الوطن، لا يمكن تجاهل الأسباب والمعوقات التي عطلت كل جهد سابق في الانتهاء من حالة الأوضاع المؤقتة والمراحل الانتقالية، وستمنع المضي في تنفيذ أي جهد قادم، بتجاهلنا لهذه الأسباب سنظل نراوح في نفس المربع.
علينا أن نعترف أن الأزمة الليبية أعمق بكثير من التوافق على آلية لإجراء انتخابات، وليست مرتبطة بتغيير أو تبديل الشخوص والأفراد والحكومات.
الأزمة الليبية أكثر تعقيداً من ذلك ويتداخل فيها الداخل والخارج، والداخل المرتبط بالخارج وأصحاب الأجندات والساعون لتحقيق مصالحهم الخاصة، والانقسام المجتمعي عمودياً وأفقياً وتواجد قوات مسلحة خارج القانون وقوات مسلحة منقسمة ومؤسسات حكومية متشظية ومنقسمة هي الأخرى (حكومتان وبرلمانان) واجتماعات (6+6) تعكس أحد أشكال هذا الانقسام، والأخطر من ذلك كله خطر التقسيم الذي يتهدد جغرافيا الوطن، والمشاريع الاستعمارية التي تستهدف توطين المهاجرين غير الشرعيين في جنوب ليبيا، هل في مثل هذه المناخات يمكن الذهاب إلى انتخابات بقاعدة أو بدونها ويمكن الاطمئنان على شفافيتها ونزاهتها؟ ونأمل منها أن تكون سبباً في الخروج من تلك الأوضاع وقدرة المنتخبين على إحداث التغييرات وانتظارات الشعب الليبي، إذا لم نعترف بهذا التوصيف كل ما يجري يصبح نوعا من العبث وضحكا على الذقون ومضيعة للوقت من جانب، ومن جانب آخر نجد أنفسنا نساهم في تعميق الأزمة بما يخدم مصلحة الدول التي تستثمر في إدامتها وبعض الأطراف المحلية التي استفادت منها أيضاً لمصلحتهم الخاصة.
الأطراف معلومة ومعروفة وهي أحد أسباب عدم التوصل إلى آليات تنتج حلا نهائياً للأزمة طيلة عشر سنوات ومنها طرفا الحوار في بوزنيقة.
إذا كان الخلاف بين طرفي النزاع في ليبيا (على الرغم من أن الأطراف أكثر من ذلك بكثير) ذاتيا فإنهم لن يتوافقوا على حل يرضيهم حتى لو اجتمعوا فوق سطح القمر، على الرغم من أنني أعتقد أن الخلاف في جزء كبير منه ذاتي، وأن بعض الأشخاص في الطرفين يغلبون مصالحهم الخاصة على مصلحة الوطن، ولو كان الخلاف على قضايا وطنية وقانونية فإن التوافق عليها لا يتطلب هذه الاجتماعات الطائرة والجالسة وهذا التنقل بين العواصم، طالب سنة أولى قانون يستطيع إيجاد الحل في دقائق.
لم يتأخر الرد ولم ينتظر حتى تنتهي اجتماعات بوزنيقة التي لن تفضي عن شيء، حيث وجه رئيس حكومة جنيف رسالة واضحة ومفهومة مدعومة بالقوة العسكرية التركية التي تسيطر على العاصمة وغرب البلاد من مصراتة إلى رأس جدير، حيث شن هجوماً على مواقع في مدينة الزاوية تدعم المضي للانتخابات وضرورة الانتهاء من المراحل الانتقالية، هجوم المسيرات التركية على مواقع بمدينة الزاوية يكشف تمسك حكومة جنيف المدعومة تركياً بالحكم بأي ثمن، وقد تضطر إلى الذهاب للحرب كوسيلة لاستمرار بقائها في السلطة، إذن لا يمكن لأي عملية سياسية أن تتم مع وجود السلاح والتواجد العسكري الأجنبي وخاصة التركي منه الذي يعلن انحيازه إلى أحد أطراف النزاع وبكل وضوح.
كل ما يحدث ويجري هو مسكنات لا تطال أصل الداء، ولن يسهم في وضع أسس حقيقية لدولة هي بالأساس مختطفة بأيادٍ خارجية وقوى داخلية تستند على دعم خارجي، علينا أن نعود إلى الشعب الليبي والكف عن مثل هذه المسرحيات التي باتت مكشوفة ومفضوحة وتم تجريبها في حكومات الصخيرات وجنيف، وأنتجت وضعاً مأساوياً نعاني تبعاته، وقادت البلاد إلى شلل تام وقسمت المؤسسات وعبثت بمستقبل الليبيين من خلال هدر الأموال وتفشي الفساد على نطاق واسع ورسخت التبعية المقيتة للسفارات.
وجب التفكير أولاً في استعادة الدولة الليبية وكف الأيادي الخارجية والسماح للشعب الليبي بتقرير مصيره واختيار النظام السياسي الذي يرتضيه.
وتظل بوزنيقة حلقة في سلسلة تعميق الأزمة وإطالة عمر بعض المؤسسات التي انتهت صلاحياتها وفقدت شرعيتها.