النظام الريعي.. الوكيل المهيمن في الاقتصاد السياسي بالمنطقة العربية
عثمان يونس :
ينطبق مفهوم الدولة الريعية أو الاقتصاد الريعي على الدولة التي تعتمد على ريع خارجي كبير في شكل بيع النفط أو رسوم العبور أو السياحة، وهذا الاقتصاد له عواقب سياسية واجتماعية وثقافية بعيدة المدى، منها أنه لا يشارك بشكل مباشر سوى جزء من السكان في تكوين الثروة، وتبعاً لذلك تم تطوير المنظمات الاجتماعية الحديثة المرتبطة بالأنشطة الإنتاجية فقط إلى حد محدود، وأيضاً لم تعد العلاقة بين العمل والمكافأة هي السمة المركزية للمعاملات الاقتصادية، حيث تكون الثروة هي النتيجة النهائية لمشاركة الفرد في عملية إنتاج طويلة ومحفوفة بالمخاطر ومنظمة، والثروة هي بالأحرى عرضية، فهي مكسب غير متوقع وظرفية، حيث تصبح المواطنة مصدر فائدة اقتصادية.
تصنف العديد من البلدان في المنطقة العربية من الدول الريعية، هذا المصطلح الذي أثر على التفكير السياسي في الماضي والحاضر، حيث تثير هذه الحجة مسألة الملاءمة فيما يتعلق بمفهوم الدولة الريعية في تحليل العمليات السياسية في الدول الرئيسية المنتجة للنفط في الشرق الأوسط، والدول الريعية تعرف على أنها تلك الدول التي تتلقى بانتظام أموالاً طائلة من بيع الموارد الطبيعية.
ليبيا والجزائر في شمال أفريقيا بالإضافة إلى العراق ودول الخليج العربي والتي تشمل السعودية والكويت والإمارات وقطر والبحرين وعمان هي دول ريعية بامتياز، إذ إنها غنية بمصدرين من الموارد الطبيعية، ألا وهما النفط والغاز، اللذان يمثلان معظم الناتج المحلي الإجمالي لتلك الدول التي تمتلك أكبر احتياطي نفطي في العالم، يزيد على 39 % من الاحتياطي النفطي العالمي، بالإضافة إلى احتياطيات الغاز الطبيعي الذي يفوق 27 % من الاحتياطي العالمي، هذا عدا عن الميزة الأخرى التي اكتسبتها هذه الدول من خلال حجم الكميات المصدرة من النفط والغاز، والتي أنتجت فائضاً في السيولة لديها من إنتاج وتصدير هذين الموردين أو من الصناعات المرتبطة بهما، مما شكل نزعة ريعية كان لها تأثير رئيسي على الاقتصاد السياسي، حيث تدفقت الإيرادات مباشرة للدولة، مما خلق تبعية اجتماعية لها، وهو ما أدى لاقتصاد تكتسيه النزعة السلطوية.
على الرغم من أن هذا النظام يوفر العديد من المزايا للاقتصاد السياسي والمواطنين، إلا أنه يتضمن أيضًا العديد من القيود التي تتعارض مع هذه المزايا، أحدها هو أن الدولة ليست مسؤولة عن جودة الخدمات المقدمة ولا تتحمل المسؤولية عن أي أخطاء، كما يمكن أن يؤدي هذا النهج إلى خلافات غير واضحة بين المنظم والمستخدم على مستوى الموارد، مما ينتج نوعا من عدم المساواة الاجتماعية بينهما، وهو سبب مباشر لتراجع العلاقات بين صانع الخدمة والمستفيد من الخدمة، والنتيجة الأساسية لهذه العلاقة هي نظام المحسوبية الذي يخلق تضاربًا في المصالح بين ما يرغب فيه المواطنون وما تريده القيادة التي تدير الاقتصاد الريعي، الأمر الذي يخلق صراعات تشكل قيودًا وأعباء إضافية، لأن ريع النفط الممثل والضامن للاعتماد المجتمعي على الدولة، وعندما تظهر الأيديولوجيات المتنافسة، يبدأ المواطنون في الاحتجاج، الأمر الذي ظهر جلياً في أحداث ما سُمي بالربيع العربي، حيث اضطرت حكومات الدول الريعية في الخليج إلى تقديم المزيد من الأموال لمجموعات معينة من الناس لقمع أيديولوجيتهم بشكل فعال وتهدئة رغبات شعوبهم للحفاظ على السلطة.
يوضح النموذج الخليجي أنه لا يوجد مجال كبير للاعتراف بالأشكال الأيديولوجية للاحتجاج، واعتبار أنها نتيجة لقضايا مادية وليست سياسية، إضافة إلى تأثيرات الريعية على مواطني الدول العربية وبالأخص الخليجية، فيمكن أن تنعكس هذه القيود من خلال فكرة أن ريع النفط يساوي الاعتماد المجتمعي على الدولة، حيث يعتمد المواطنون بشكل كبير على إنتاج الدولة للنفط وتجارتها للحصول على فوائد في المجتمع، وهذا يسمح للدولة بالاستمرار في العمل بشكل سلطوي، مما يمنح الحكومة السلطة والسيطرة على شعبها.
بالنظر إلى جميع جوانب الريعية المذكورة، من الواضح أن النظام الريعي سيستمر في كونه الوكيل المهيمن في الاقتصاد السياسي للمنطقة العربية، فتاريخ الريعية كشف عن إطار عمل قوي يعتمد على مجموعة متنوعة من الموارد المتوفرة بكثرة في جميع أنحاء المنطقة، فقد كان تأثير اكتشاف النفط تحولًا سريعًا وأساسيًا للأنظمة الاقتصادية في المنطقة التي خلقت أنظمة الرفاهية المعتمدة على الدولة من حيث الطريقة التي اعتنت بها الدولة بمواطنيها، وقد ثبت أن هذا النظام يكرس ثقافة اعتماد المواطنين على الدولة في تلبية جميع احتياجاتهم الأساسية، والتي كانت في السابق أقل تنظيماً بكثير قبل ظهور النظام الريعي.
كما أضر هذا النظام بالاعتماد المتبادل بين الدولة والمجتمع، بسبب نظامه الاستبدادي، حيث تحتفظ فيه الحكومات وصانعو الثروة بالسيطرة على المواطنين لقمع أي مقاومة للنظام الريعي، الذي يخلق تضاربًا في المصالح، ويولد حالة من عدم الاستقرار.
وأخيرا ففي الإمكان إصلاح النظام الريعي من خلال تطوير آليات بديلة لزيادة توزيع الريع على المجتمع، الأمر الذي يسهم في تعزيز الاقتصادات السياسية والاجتماعية والاقتصادية في المنطقة العربية.