مقالات الرأي

مغالطات ثقافية.. سقطات مجتمعية

ناجية الصغير عبد الله :

تتعاقب الأعوام وتتلاحق الأحداث وتتسابق الوقائع ونحن في حلقة مفرغة ننتهي من حيث نبدأ.
في القاموس اللغوي شراكة ومشاركة وشريك، وكلها تدور حول ذات المعنى، دفة حياة تقاد برؤية مشتركة، والحياة كل متكامل لا يفيد فصلها أو ترشيح جزء منها عن الكل، فهي سياسية، اقتصادية، اجتماعية، معرفية، ثقافية، سلوكية، وجميعها محكمة الوثاق بمنهجية دينية تجعلها تسير بلا عثرات، فلماذا نحن بهذا الكم من السقوط والفشل على مختلف الصعد؟
الجواب الوحيد للملايين من الاستفهامات واضح وبسيط وبحجم بساطته يكمن تعقيده، النظام، الذي حين يذكر عقولنا لا تراه إلا سياسة، وحكما وجبروتا واستبدادا، النظام الذي يفتقر له الجميع على المستوى الداخلي النفسي وعلى المستوى الخارجي الاجتماعي، النظام الذي نقصد به الحقوق والواجبات، ما واجباتك وما حقوقك، في كل زاوية أو ركن من حياتنا النواة حتى حياتنا الدولية والإقليمية والعالمية.
نحن نعاني من عقدة الثقافة المفتوحة لا المنفتحة، ثقافة مستوحاة من نهج حضاري مستورد لشعب ما على خريطة ما في بقعة ما على الكوكب، وكلما جلبنا هذه السلوكيات والنمطيات الحياتية وبلمح البصر نسكنها جوانب تعاملاتنا ونجعلها سمة لا غنى عنها وندافع عنها بشراسة الجهل حتى السقوط.
الشعب يريد إسقاط النظام، النظام ليس سياسة، النظام نفس وهيئة، لكننا لم نفقه ذاك إلا حين مارسنا السقوط وبإصرار، سقوط أنظمة سياسية مؤكد يعقبه سقوط أخلاقي مريع لا تعرف مداه حتى تكون بشركه وتتطلع إلى طوق نجاة.
المفاهيم المغلوطة التي تسود مجتمعاتنا العربية من نواتها والتي يتغافل فيها الرجال والنساء عن معنى الشراكة الحياتية ويصلون بتقليدهم لمرحلة تنقلب فيها الأدوار ويصبح الحابل متشابكا مع النابل ويبقى شعار عقد الشراكة الموقع عبارة عن مرحلة مراهقة وإرهاق من نوع آخر، لا الراعي مسؤول عن رعيته ولا الرعية تهتم للراعي، وبالتالي الخروج من دوامة يدخلك بأخرى أسوأ منها، دوامة الرجال والنساء تقلنا لدوامة الأبناء وانقلاب الأدوار، وهذه الأخيرة تقلنا لدوامة المجتمع والتي تتفرع بلا تحديد حيثما اتجهنا ليكون آخرها لا أولها سياسة هجينة كل غايتها انقلاب المفاهيم الحياتية باستخدام المحرك الأساسي للتاريخ، الدين والشريعة.
التطور الحياتي الذي لا يخضع لتحديد مفاهيمه وتخصيص أدواره هو تطور عكسي يزيد الهوة بين الفرد وأهدافه، ليصبح كل منهما يهرول عكس الآخر، فلا يصل لعنب اليمن ولا يتذوق بلح الشام، تائه بين الممكن والممنوع، يراوح بين المستطاع والمستحيل.. يقفز حتى قمة الرقي ثم يفلت حبله ليسقط بقاع الرذيلة، والدليل صارخ صاخب لا يمكننا نكرانه أو تجاهله، حياة متناقضة بين الضد والضد، تداخل عجيب في المهام والاختصاصات يجعلنا لا نعرف من نراه وزيرا أم غفيرا، عالما كبيرا أم متعلما ينمو، عقلا حكيما أو عقلا محكوما، فخامة الرئيس أو سيادة العميل، سماحة المفتي أم بشاعة المفتن، بكل المعاني سخرت ظاهرا لتخدم جوهرا مشوها، محشوا بالنفاق والأفاقين.
الفهم المغلوط لكل مصطلح يكلفنا الكثير، ويرهق كاهل الكثيرين، يجعلنا نترنح بين تبنيه أو اعتباره لقيطا مستهجنا، وفي الحالين.. شر البلية ما يضحك.

زر الذهاب إلى الأعلى