الأدب في معترك التحديات الوطنية
محمد عبدالقادر :
ظل مصطلح الأدب أو كلمة الأدب في حالة اختلاف بيِّنٍ بين الأدباء ودارسي الأدب في كل المراحل التاريخية في حياة الإنسان.
فمفهوم الأدب وماهيته ظل يتغير مع تغير الحياة الإنسانية منذ بدأ الإنسان يصارع ويتحدى القوى التي تحيط به من أجل التوازن في تحقيق حياة تناسب تطلعاته.
هناك بعض من الأدب مما احتفظت به سجلات التاريخ كملحمة قلقامش التي ظهرت قبل ألفي عام قبل الميلاد والتي كانت أول نصوص يمكن اعتبارها بداية أولى للأدب إلى كتاب الموتى المصري وهو مكتوب في إحدى البرديات التي عثر عليها والتي كتبت في حوالي عام 250 قبل الميلاد إلى جوهر ريجفدا ربما تؤرخ إلى منتصف الألفية قبل الميلاد إلى أسفار موسى الخمسة التي تؤرخ تقليديا إلى القرن الخامس عشر، على الرغم من أن الدراسات الحديثة تقدر بأن أقدم جزء لها مؤرخ بالقرن العاشر قبل الميلاد على أقرب تقدير وملاحم إلياذة هوميروس والأوديسة التي تعود إلى القرن الثامن قبل الميلاد، وتعتبر نقطة بداية العصور الكلاسيكية القديمة، وقد نقلا كتقاليد شفوية تعود إلى العصر البرونزي المتأخر إلى نصوص سروتي الهندي التي يرجع تاريخها بعد ريجفدا (مثل ياجور فيدا وأتهار فافيدا وبراهمانا) ومجموعة من القصائد الصوفية للاو تسي وتشينج تي تاو.
إلى ما وصفه مؤرخو الأدب بالأدب الحقيقي الذي بدأ مع منتصف القرن التاسع عشر مع ظهور الرواية كشكل من الأشكال المهمة من الأدب التي تصدرت المشهد الأدبي.
هذا الاستعراض التاريخي لا نهدف من ورائه إلا تأكيد على أن الأدب رافق حياة الإنسان كملمح تعبيري عاطفي عن حياته فرحاً وحزناً انتصاراً وهزيمةً، آمالاً وخيبات، طفرات تقدم وانتكاساتً، لذلك ظل الأدب رفيقا وفيا للإنسان.
إن دور الأدب التعبير عن الإنسان وجوهر حياته وكفاحه المتواصل لتطوير ذاته ومجتمعه، وبذلك كان الأدب متغيرا من المتغيرات التي تتفاعل في صيرورة الحياة الإنسانية أداة تعبير عن نمط الحياة وتفاعلاتها وجدانياً، فسجل الإنسان الأدب في شكل قصص كتبها على جدران الكهوف التي عاش فيها برسوم عبر فيها عن صراعه من أجل لقمة العيش وكيفية الحصول عليها وكيف طور آلات ومعدات الصيد ثم اكتشف الزراعة لتنويع مصادره، وهكذا ظل الأدب يتفاعل ويعبر ويرسم أُطرا بدائية في التعبير إلى تطور في الأداء، في مجال صراعه مع الآخر سواء الصراع الطبقي البسيط داخل المكون الاجتماعي الواحد أو الدولة الواحدة إلى مواجهة الغزاة.
وكون الأدب وسيلة وأداة فنية تعبِّر عن أحاسيس الإنسان وما يختلج بداخله من مشاعر وأفكار وما شابه ذلك حتى أن هذه المشاعر والأحاسيس تستمد مادتها الأساسية من السلوك البشري اليومي فيصبح عندنا شاعر وفنان متفائل وآخر متشائم وثالث يميل إلى الجد ورابع… وهكذا، وعدا عن أن الأدب بحسب مادته يدق أبواب الشعور الإنساني ويمتزج مع الرغبة النفسية للإبحار في ألفاظ ومفاهيم جميلة جاذبة فهو يلعب دوراً هاماً وأساسياً في أن يبقى السلوك البشري متجذراً خالداً في التاريخ تتناقله الأجيال والأقوام ويحكمون من خلاله على هذا السلوك فيؤيدونه أو يرفضونه.
أما المقاومة فهي ليست مجرد تعبير وليست مجرد إظهار لعواطف وأحاسيس، بل هي في الواقع فعل وسلوك خارجي يقوم به الإنسان على أثر عقيدة أو هدف أو قيم عالية، وبالتالي فإن هذا الفعل يختزن في داخله معاني سامية تدعو إلى التمجيد والقبول والاستحسان.. فهو إذن موضوع بحد ذاته يشكل في خلفياته وأسبابه ونتائجه موارد للدراسة والتحقيق والتأمل.
ومهما كانت المقاومة سامية وشريفة وفاعلة إذا لم يرافقها عمل بمستواها لجهة التأريخ والتخليد فإنها لن تسمو بقيمتها الأصيلة السمو المناسب، وتصبح على هذا الأساس مسؤولية الأدب والأدباء كبيرة، حيث يفترض أن يُعمل على استخراج المفاهيم الأساسية للمقاومة وتبيين الأسباب والأهداف والغايات والحفاظ على المصطلحات التي يتركها العمل المقاوم.
يندر في تاريخ الأمم أن تجد أمة حققت ذاتها وسلكت درب الحرية والرقي والعظمة دون أن تقوم بفعل المقاومة التي تعبر عن إرادةٍ منبثقةٍ عن قناعة وخلفية فكرية تسعى للتغلب على الواقع المعاكس الذي يمثل التسلط والهيمنة والاستعباد والخوف على المصالح والمكتسبات والامتيازات.. إنها طبيعة الصراع الحتمي والتاريخي الذي يتجاوز في حقائقه كل الظروف المحيطة والمعادلات القائمة.
دور المقاومة الوطنية هو إثراء فعل المقاومة ونشر ثقافتها وبث الوعي في عقول أبناء الشعب لفهم ما يحاك ضدهم وضد طنهم، لكل ما تقدم ذكره يجب على حملة الأقلام ورواد الفكر وأصحاب الكلمة المقروءة والصورة الناطقة وكل أشكال الإبداع أن يقوموا بدورهم بقوة في مقاومة فكرية وثقافية فاعلة باعتبارهم رواداً، فهلموا إلى الفعل والانتماء.