ملفات وتقارير

سوريا تشارك بعد غياب 12 عاما

القمة العربية الثانية والثلاثون بجدة.. عقدت وسط تحديات إقليمية ودولية

متابعات – الموقف الليبي
عقدت القمة العربية الثانية والثلاثون في مدينة جدة الجمعة الماضية، وسط أجواء إقليمية وعالمية متوترة، وشهدت طاولتها زخما بالعديد من القضايا العالقة والمستجدة، كان أهمها القضية الفلسطينية والوضع في ليبيا والصراع في السودان.
وأهم ما ميزها هذا العام الحضور العربي على أعلى مستوى، وللمرة الأولى منذ 12 عاما تشارك سوريا في القمة العربية.
وجاء انعقاد القمة في وقت صعب، حيث يمر العالم بتحولات استراتيجية فيما يخص موازين القوة، وتصاعد التوتر للعام الثاني على التوالي، بسبب الأزمة الروسية الأوكرانية وتصاعد التنافس بين الصين وأمريكا.
وترجع أهمية انطلاق القمة العربية المشتركة في هذا التوقيت إلى أنها تأتي في وقت تتزايد فيه تداعيات أزمات الطاقة والغذاء، واستمرار انتشار مخاطر الإرهاب وتدخل القوة الإقليمية في السيطرة والتأثير السلبي.
الأمر الذي يستلزم وحدة الموقف العربي، وهو كان هدف القمة الحالي الذي يسعى لوحدة الصف ولم الشمل وتنقية الأجواء، والتأكيد على العمل العربي المشترك بين الجميع.
ورأى مراقبون أنه يجب على جامعة الدول العربية استغلال الفرصة السانحة وتبني «قمة جدة» لعدد من المبادرات الأساسية الخلاقة، منها مبادرة حول الأمن والتعاون الإقليمي عبر تشكيل لجنة عربية تؤسس لإعلان مبادئ إقليمي للسلام والتعاون والتنمية تتبناه دول المنطقة لتعزز فرص التنمية والسلام.
وكذلك فتح آفاق للحلول السلمية للمنازعات واحترام حسن الجوار بعيداً عن الحروب والصدامات، وثمة مبادرة ثانية تتعلق بإطلاق جهود التسوية السلمية من خلال لجنة عربية تزور فلسطين وإسرائيل ساعية لطرح بدائل وحلول.
ورأوا أن المشهد المقبل يجب أن يكون مشهدا عربيا جادا من أجل التحول للأفضل برؤية جماعية موحدة، فالقادة العرب باتوا على يقين بأن الحل يجب أن يكون عربياً، وأن مخارج الصراعات القائمة ستكون من خلال «تعريب» قضايا المنطقة واحتواء الخلافات في نطاق بيت العرب وإطلاق المبادرات الخلاقة الجادة.
وهناك العديد من القضايا والأزمات التي تحتاج إلى حلول، ومنها الأزمة الحالية في الأراضي المحتلة، التي تهدد باشتعال الموقف في ظل سيطرة حكومة اليمين المتطرف في إسرائيل.
والذي ظهر بشكل واضح في الاعتداء على أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة وفي المناطق المحتلة، ونجاح الوساطة المصرية في احتواء هذا الوضع المتفجر.
وجاء البيان الختامي لقمة جدة بالسعودية لاجتماع مجلس الجامعة العربية على مستوى القادة، باسم «إعلان جدة»، وشمل عددا من المحاور الهامة، وشدد على أهمية الحلول السياسية في كل من ليبيا والسودان واليمن، ومواصلة تكثيف الجهود العربية لمساعدة سوريا والرفض التام لتشكيل ميليشيات وجماعات مسلحة خارج نطاق الدولة.
وشمل البيان النقاط التالية:
الوضع في ليبيا
تطرق البيان لتطورات الوضع في ليبيا، حيث أكد الالتزام بوحدة وسيادة ليبيا وسلامة أراضيها، ورفض أنواع التدخل الخارجي كافة، والامتناع عن التصعيد.
كما شدد البيان على رفض تواجد الميليشيات على الأراضي العربية كافة ووقف التدخلات الخارجية في الشؤون الداخلية للدول العربية،
مع الرفض التام لدعم تشكيل الجماعات والميليشيات المسلحة الخارجة عن نطاق مؤسسات الدولة.
وأكد على أن الصراعات العسكرية الداخلية لن تؤدي إلى انتصار طرف على آخر، وإنما تفاقم معاناة الشعوب وتسهل تدمير منجزاتها، وتحول دون تحقيق تطلعات مواطني دولنا.
القضية الفلسطينية
كما أكد البيان الختامي على مركزية القضية الفلسطينية، وجدد التأكيد على مركزيتها لدولنا، باعتبارها أحد العوامل الرئيسة للاستقرار في المنطقة، وأدان بأشد العبارات، الممارسات والانتهاكات الصهيونية التي تستهدف الفلسطينيين في أرواحهم وممتلكاتهم ووجودهم كافة.
ودعا المجتمع الدولي إلى الاضطلاع بمسؤولياته لإنهاء الاحتلال، ووقف الاعتداءات والانتهاكات المتكررة التي من شأنها عرقلة مسارات الحلول السياسية وتقويض جهود السلام الدولية.
وشدد على ضرورة مواصلة الجهود الرامية لحماية مدينة القدس المحتلة ومقدساتها في وجه المساعي المدانة للاحتلال الصهيوني لتغيير ديمغرافيتها وهويتها والوضع التاريخي والقانوني القائم فيها، بما في ذلك عبر دعم الوصاية الهاشمية التاريخية لحماية المقدسات الإسلامية والمسيحية وإدارة أوقاف القدس وشؤون الأقصى المبارك التابعة لوزارة الأوقاف الأردنية بصفتها صاحبة الصلاحية الحصرية، وكذلك دور لجنة القدس وبيت مال القدس في الدفاع عن مدينة القدس وصمود أهلها.
الأوضاع في السودان
وكان على رأس اهتمامات القمة الصراع في السودان، حيث جاء في البيان فيما يخصه: «نتابع باهتمام تطورات الأوضاع والأحداث الجارية في جمهورية السودان الشقيقة، ونعرب عن بالغ قلقنا من تداعيات الأزمة على أمن وسلامة واستقرار دولنا وشعوبنا.
ونؤكد على ضرورة التهدئة وتغليب لغة الحوار وتوحيد الصف، ورفع المعاناة عن الشعب السوداني، والمحافظة على مؤسسات الدولة الوطنية، ومنع انهيارها، والحيلولة دون أي تدخل خارجي في الشأن السوداني يؤجج الصراع ويهدد السلم والأمن الإقليميين، واعتبار اجتماعات جدة بين الفرقاء السودانيين خطوة مهمة يمكن البناء عليها لإنهاء هذه الأزمة، وعودة الأمن والاستقرار إلى السودان وحماية مقدرات شعبه.
عودة سوريا للجامعة العربية
وعلى وقع الانفتاح العربي على سوريا مؤخراً، حضرت دمشق إلى جدة، للمشاركة للمرة الأولى في اجتماعات القمة منذ 12 عاما، مدشنةً صفحة جديدة في العلاقات بينها وبين إخوتها العرب.
ويعد هذا الحدث هو الأبرز في القمة، ولكن بدأ التمهيد لعودة سوريا إلى الحضن العربي من قمة الجزائر التي انعقدت في نوفمبر عام 2022، إلا أن الأمر لم يحدث نظراً لتباين مواقف عدد من الدول العربية حيال العودة.
وجاء في البيان فيما يخص سوريا:
نرحب بالقرار الصادر عن اجتماع مجلس الجامعة على المستوى الوزاري، الذي تضمن استئناف مشاركة وفود الحكومة السورية في اجتماعات مجلس الجامعة والمنظمات والأجهزة التابعة لها.
ونأمل في أن يسهم ذلك في دعم استقرار الجمهورية العربية السورية، ويحافظ على وحدة أراضيها، واستئناف دورها الطبيعي في الوطن العربي، وأهمية مواصلة وتكثيف الجهود العربية الرامية إلى مساعدة سوريا على تجاوز أزمتها، اتساقاً مع المصلحة العربية المشتركة والعلاقات الأخوية التي تجمع الشعوب العربية كافة.
واعتبر الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط؛ أن عودة سوريا إلى مقعدها شأن عربي، وأن الجامعة لا تسعى إلى صدام مع القوى الخارجية بشأن موقفها المغاير.
وقال أبو الغيط ردًّا على سؤال حول الانتقادات الأمريكية والأوروبية لعودة دمشق: أتصور شخصيا أنه يجب العمل بمعزل عن رؤية القوى الخارجية لخطوة عودة سوريا للجامعة العربية.
وأضاف: هذا أمر خاص بالدول العربية والشأن العربي، وسوريا من الدول السبع المنشئة للجامعة العربية، وإذا استعادت دولة مقعدها، فهذا شأن عربي.
التنمية المستدامة
وأكد البيان على أن التنمية المستدامة، والأمن، والاستقرار، والعيش بسلام، حقوق أصيلة للمواطن العربي، ولن يتحقق ذلك إلا بتكاتف الجهود وتكاملها، ومكافحة الجريمة والفساد بحزم وعلى المستويات كافة، وحشد الطاقات والقدرات لصناعة مستقبل قائم على الإبداع والابتكار ومواكبة التطورات المختلفة، بما يخدم ويعزز الأمن والاستقرار والرفاه لمواطني دولنا.
نهضة اقتصادية عربية
ولم يغب عن البيان الشق الاقتصادي العربي وتعزيزه على أعلى مستوى، حيث جاء فيه: نؤمن بأن الرؤى والخطط القائمة على استثمار الموارد، والفرص، ومعالجة التحديات، قادرة على توطين التنمية، وتفعيل الإمكانات المتوفرة، واستثمار التقنية من أجل تحقيق نهضة عربية صناعية وزراعية شاملة تتكامل في تشييدها قدرات دولنا، مما يتطلب منا ترسيخ تضامننا وتعزيز ترابطنا ووحدتنا لتحقيق طموحات وتطلعات شعوبنا العربية.
وحث البيان على عدم التدخل في شؤون الآخرين تحت أي ذريعة، مع التأكيد على «احترامنا لقيم وثقافات الآخرين، واحترام سيادة واستقلال الدول وسلامة أراضيها واعتبار التنوع الثقافي إثراء لقيم التفاهم والعيش المشترك. ونرفض رفضا قاطعا هيمنة ثقافات دون سواها، واستخدامها ذرائع للتدخل في الشؤون الداخلية لدولنا العربية».
قضية الهوية العربية
كما أكد البيان على تعزيز المحافظة على ثقافتنا وهويتنا العربية الأصيلة لدى أبنائنا وبناتنا، وتكريس اعتزازهم بقيمنا وعاداتنا وتقاليدنا الراسخة، وبذل كل جهد ممكن في سبيل إبراز موروثنا الحضاري والفكري ونشر ثقافتنا العريقة؛ لتكون جسرا للتواصل مع الثقافات الأخرى.
ابن سلمان والقضية الفلسطينية
وبعد تسلمه رئاسة القمة العربية الثانية والثلاثين، قال الأمير محمد بن سلمان: نؤكد للدول الصديقة في الشرق والغرب أننا ماضون في السلام، مشدداً بالقول: لن نسمح بأن تتحول منطقتنا إلى منطقة صراعات. وقال إن القضية الفلسطينية كانت وما زالت قضية العرب المحورية.
ورحب بحضور الرئيس السوري بسار الأسد، وأضاف بالقول: “نأمل أن تشكل عودة سوريا إلى الجامعة العربية إنهاء لأزمتها”.
بشار الأسد يعتبرها فرصة تاريخية
من جانبه أوضح الرئيس السوري بشار الأسد خلال كلمته أن “القمة العربية الثانية والثلاثين فرصة تاريخية لإعادة ترتيب شؤوننا بأقل قدر من التدخل الأجنبي، وهو ما يتطلب إعادة تموضعنا في هذا العالم الذي يتكون اليوم كي نكون جزءاً فاعلاً فيه، مستثمرين في الأجواء الإيجابية الناشئة عن المصالحات التي سبقت القمة وصولاً إليها اليوم”.
قيس سعيد يرحب بسوريا
وخلال كلمته رحب الرئيس التونسي قيس سعيد بعودة سوريا إلى الجامعة العربية وإحباط مؤامرة تفتيتها، مؤكدا «أننا نرفض أن نكون ضحايا لنظام عالمي جديد لا نشارك في إرسائه وترتيبه».
وشدد على أن تونس ثابتة على مواقفها على استقلال قرارها الوطني، وعدم الانخراط في أي تحالف ضد آخر كما ينص على ذلك دستورها، وشعبها مصر على مبدأ المساواة بين الدول.
ورأى أن التحديات التي نواجهها كبيرة ولا شك أننا نشترك في نفس الإرادة من أجل رفعها وتخطيها وأولى هذه التحديات هو الحفاظ على دولنا لأن هناك من يعمل على إسقاطها حتى تغيب المؤسسات وتعم الفوضى والاقتتالات الداخلية.
السيسي يشدد على التكامل العربي
وقال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إن “الاعتماد على جهودنا المشتركة، وقدراتنا الذاتية، والتكامل فيما بيننا، لصياغة حلول حاسمة لقضايانا.. أصبـح واجبا ومسؤولية.
كما أن تطبيق مفهوم العمل المشترك، يتعين أن يمتد أيضا، للتعامل مع الأزمات العالمية وتنسيق عملنا، لإصلاح منظومة الحوكمة الاقتصادية العالمية، وفي القلب منها مؤسسات التمويل، وبنــــوك التنميــة الدوليـة التي ينبغي أن تكون أكثر استجابة، لتحديات العالم النامي أخذا في الاعتبار أن حالة الاستقطاب الدولي أصبحت تهدد منظومة «العولمة»، التي كان العالم يحتفي بها وتستدعي للواجهة صراعا لفرض الإرادات، وتكريس المعايير المزدوجة، في تطبيق القانون الدولي”.

زر الذهاب إلى الأعلى