الانتخابات وطروحات الحل
ناجي إبراهيم –
رغم عدم قناعتي بآلية الانتخابات كأسلوب من أساليب التنافس على كرسي السلطة، لأسباب عديدة، منها ما هو عقائدي وأخرى ارتبطت بها كممارسة يمكن أن تدلس العملية السياسية برمتها من خلال ارتباطها بالتزوير، وما يصاحبها من عمليات بيع وشراء للأصوات، إذن هي لا تعطي شرعية حقيقية لمخرجاتها من الأدوات السياسية، وهي لا تعبر بشكل حقيقي عن الإرادة الشعبية، بل هي تعبير واقعي عن مصادرة الإرادة الشعبية، وتمثل إهانة بالغة للشعوب من خلال التصريح عن عدم قدرتها على ممارسة حقها في إدارة شؤونها العامة.
ووفقاً لهذه الحجج، كان لزاماً على الشعوب أن تتنازل عن هذا الحق لمجموعة قليلة توفرت لها الإمكانيات المادية وتملكت وسائل الإعلام لاستخدامها في إغواء الشعوب من خلال مخاطبة غرائزها واستغلال حاجاتها في الغداء والسكن والعلاج وتحويل الشعوب إلى أوراق تتوزع بين الصناديق ليفوز من يتحصل على غالبيتها، وفي ذلك أيضاً ظلم كبير سيتحمله من لم ينتخب من فازوا بـ 50+1، والانتخابات هي تعبير عن حالة من الاستقرار السياسي والأمني والوحدة الوطنية، يسبقها وجود وثيقة قانونية على أي مستوى يحدد ملامح للنظام السياسي ويشكل مرجعية قانونية يمكن الرجوع لها في حال ظهور خصومات أو اعتراضات تفرضها العملية السياسية، ولذلك لا أراها مخرجاً وحيداً للأزمة في ليبيا للسبب الذي ذكرته وأنا أبرر عدم قناعتي بالانتخابات، والسبب الذي يتعلق بالحالة الليبية المعقدة والشائكة والتي تتطلب تنقية المناخ الذي ستنعقد فيه الانتخابات قبل التفكير فيها، ليبيا تعرف انقسام المؤسسات الأمنية، بل وغيابها في مناطق عديدة وسيطرة ميليشيات مسلحة ومنها ما هو مؤدلج ومنها ما يمثل مصالح أجنبية ومنها من يمثل مصالح أطراف محلية…
والأمر الذي يجعلنا نشك في نوايا الأطراف الخارجية والتي تدفع نحو إجراء انتخابات لأنها تمثل مخرجاً سلمياً للأزمة التي تعيشها الساحة السياسية الليبية حسب زعمهم، هو سكوت هذا الخارج على الأوضاع الأمنية المنفلتة والمتأزمة وممارستهم التي تعمق الانقسام العسكري والأمني (شرق-غرب) وربما إضافة ضلع ثالث أو رابع.
وحتى اجتماعات 5+5 لا نراها تسير نحو توحيد المؤسسة العسكرية، بل إن آليات عملها تساعد في تعميق الانقسام من خلال إصرار الطرفين على تمثيل جيوش مختلفة في دول مستقلة تتحدث عن تنسيق أمني وتشكيل لجان مشتركة تتولى حماية الانتخابات، لا يجب أن يُفهم من هذا أننا نؤيد الوضع الحالي على أنه (ليس بالأماكن أفضل مما كان)، أو أنه دعوة للإبقاء على الأجسام الحالية الفاقدة لأي شرعية والتي تمسك بإدارة الشأن العام رغم مراكمتها للمشاكل ومساهمتها في عمليات الفساد وإهدار الثروات، بل ما قصدته هو تفكير بصوت عال للبحث عن حلول حقيقية تعيد السيادة للشعب الليبي وتنهي حالة الانقسام في مؤسسات الدولة والعمل على إنهاء الوجود المسلح لأي أجسام خارج المؤسسات الأمنية والعسكرية، والحديث مع الدول الأجنبية بلغة قوية بضرورة تقويض تواجدها العسكري فوق الأراضي الليبية، والحد من تدخلاتها في الشأن الداخلي الليبي، وتنبيه السفراء الممثلين لدولهم على الساحة الليبية أن يحترموا المواثيق والأعراف الدولية، وأن لا يكونوا سبباً في توتير العلاقات أو قطعها مع ليبيا، وعليهم تمثيل مصالح بلدانهم بشكل يحفظ مصالح الدولة الليبية والشعب الليبي الذي رفض الاحتلال التركي من خلال تمرده على سلطة الباب العالي رافضاً (للميري) وقاوم وجوده في ثورة غومة المحمودي، وثورة عبدالجليل سيف النصر، وعانى التنكيل والتهجير، وواجه منفرداً الغزو الإيطالي بعد أن تخلت عنه تركيا تنفيذاً لمعاهدة (أوشي لوزان)، وتمسك الشعب الليبي بوحدة ترابه وهو يتلمس طريقه للاستقلال عقب هزيمة إيطاليا في الحرب العالمية الثانية على يد الحلفاء، رغم ما تعرض له من خداع مارسته الدول التي استلمت التركة الإيطالية (بريطانيا، وفرنسا، وأمريكا) والتي كبلت الحكومة التي نتجت عن قرار الأمم المتحدة وتوصيات المبعوث الأممي (مستر بلت) باتفاقيات منحتها امتيازات أمنية وعسكرية في ليبيا مكنتها من التدخل في الشأن الداخلي وتشكيل الحكومات المتوالية، ولم تنطفئ شعلة المقاومة حتى تحقق لليبيين النصر على المستعمرين بقيادة جيشهم الباسل الذي أعلن في الفاتح من سبتمبر عام 1969 نهاية الحكم الملكي الذي شرعن الوجود العسكري الأجنبي على الأراضي الليبية، وانخرطت قيادة الثورة منذ أيامها الأولى في معركة الإجلاء التي توجت بتقويض القواعد العسكرية التي كانت تحتل جزءا مهما وعزيزا من التراب الليبي، وألحقتها بطرد بقايا جنود إيطاليا الذين كانوا يسيطرون على الأراضي الزراعية الخصبة ويتحكمون في الاقتصاد الليبي من خلال سيطرتهم على المصانع والورش والتجارة الداخلية والخارجية.
إن شعباً هذا تاريخه المضمخ بالمجد والرافض للتواجد الأجنبي عبر العصور لن تعوزه الحيلة في إيجاد المبادرات وتقديم الحلول التي تتقاطع مع ما هو خارجي، لن يقبل إملاءات ولن تفرض عليه حلول جاهزة، ولن يقبل إلا ببلاد حرة عزيزة موحدة وبسلطة وطنية تحمي وتحفظ مصلحة الوطن والشعب.