مقالات الرأي
منظمات المجتمع المدني وشرعنة الإنفلات
محمد جبريل العرفي –
المجتمع المدني، يطلق على الجمعيات الأهلية والنقابات والمنتديات والشبكات التطوعية وأحياناً حتى الأحزاب، أي أنه أداة مدنية مناظرة للحكومة، ويسمى القطاع الثالث لوجود قطِاعين عام وخاص.
أول منظمة مدنية تطوعية في ليبيا حركة الكشافة والمرشدات التي أسسها المرحوم علي خليفة الزائدي 1954، وجمعية الهلال الأحمر الليبي 1957، وجمعية الكفيف 1961، وجمعية النور 1962، وجمعية بيوت الشباب 1973، وجمعيات المعوقين والموهوبين والأيتام والأرامل، وغيرها، وصدر القانون 111 لسنة 1971 بتنظيم الجمعيات الأهلية، ثم القانون رقم 19 لسنة 2001 لإعادة تنظيم الجمعيات الأهلية.
ويمكن تصنيف المنظمات الأهلية إلى ثلاثة أصناف، صنفان حميدان، جهودهما محل تقدير واعتبار هما:
- منظمات خيرية، لتقديم خدمات اجتماعية للفئات الهشة مثل المعوقين والأرامل والأيتام، وضحايا الحروب والنزاعات والكوارث الطبيعية وغيرها.
- ومنظمات توعوية تهتم بالثقافة والتراث وحماية البيئة وحقوق الإنسان.
وصنف ثالث منظمات خبيثة سياسية، تتزعمها مجموعة من المرتزقة والببغاويين، وتمولها وترعاها الدول الأجنبية، لتنفيذ أجنداتها، في التجسس، والعمل على تمزيق الوحدات الوطنية وإثارة النعرات والتوترات والمشاكل الكامنة لخلق التصدعات الثقافية والعرقية.
القانون 19 لسنة 2001 يحقق التوازن بين تشجيع ودعم المنظمات الخيرية ومنع الاختراق الأجنبي من وكالات حكومية تدعي الأهلية، مثل الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID). التي تأسست 1961، وأصبحت الوحيدة المكلفة بالعمل الخارجي. ومنظمة اكتيد الفرنسية (ACTED) التي تأسست عام 1993، والمؤسسة الألمانية للتعاون الدولي (GIZ) وهي وكالة ألمانية تنفذ مشاريع التعاون الفني لوزارة التعاون الاقتصادي والتنمية ( (BMالتي تأسست عام 2011، هذه المنظمات تسللت من خلال ما يسمى (مؤسسة الشراكة المجتمعية) للعبث في ليبيا.
المنظمات الأجنبية اصطادت أشخاصا ضعفاء وطماعين وجهلاء، ونجحت في تجنيدهم لخدمة أجنداتها الخبيثة بأغطية خادعة مثل مراكز الأبحاث لرصد الرأي العام، والموقف الاقتصادي، والحراك الاجتماعي، أو إقامة دورات تدريبية للفرز والتجنيد، أو خدمات كحفر وصيانة الآبار والكشف عن الألغام وتمكين المرأة والشباب وحماية الأقليات وحرية الأديان، بينما الحقيقة هي عمليات تجسس واضحة مثل استخدام البحث عن الألغام في تحديد إحداثيات الأهداف الحيوية وزرع شرائح إلكترونية في آبار المياه، وتوطين اللاجئين.
نجحت المساعي الوطنية في تقليص نشاط المنظمات الأجنبية في الشرق الليبي إلى أن عادت بعد 2016 وأصبحت تغدق في الأموال على عملائها في شكل مرتبات وتمويل أنشطة، وإغناء للعملاء، وعندما صدرت الأوامر بمنع التمويل الأجنبي كان العملاء يسافرون إلى الخارج ليتقاضوا الأموال.
نشب صراع على مفوضية المجتمع المدني نتيجة الانقسام السياسي، دفع البعض لتملق المنظمات، مما زاد من عملية الانفلات.
صدرت فتوى إدارة القانون بأن كل المنظمات التي أنشئت بعد صدور الإعلان الدستوري عام 2011 غير قانونية. وهنا اشتعلت الحرب. وعندما اكتشفوا أن القانون الساري معرقل لأهدافهم، قرروا استصدار قانون بديل يغل يد الأجهزة الأمنية والرقابية والتنظيمية عن متابعة أعمال التخريب، ويكبل القضاء.
تسير الخطى حثيثة الآن لاستصدار قانون، احُتفل الخميس الماضي بتدشينه، وبنظرة موضوعية لمشروع القانون يمكن اكتشاف أنه مهلهل ويعزز الانفلات، ويسهل عمليات الجوسسة والعمالة والتخريب، فأعاد تعريف منظمات المجتمع المدني لتشمل كل شيء بما فيها النوادي الرياضية وجمعيات الصداقة وغيرها، بينما أكبر الكبائر هي المادة 18 من المشروع التي نصها (يجوز لأية منظمة أن تشترك مع منظمة أو مؤسسة أو جمعية أو هيئة أو ناد مقره خارج ليبيا، وتقبل تبرعات أو هبات أو منحا من جهات أجنبية) دون إذن أو إخطار أو رقابة لأية جهة قانونية.
كما أن باب الإشراف على المنظمات أسقطت منه المواد التي تمكن الدولة من متابعة أنشطة المنظمات من حيث الإشهار والإيقاف والإغلاق والتمويل، وحتى الجرائم المعاقب عليها في القانون الساري تم تقليصها بحذف كثير من الممارسات التي كانت مجرمة قانوناً.
الجمعيات الأهلية تؤدي دورا إنسانيا يجب دعمها، لكن في نفس الوقت يجب تنظيمها وتحصينها من الاختراق والتوظيف للجوسسة والتخريب.
أول حصن لذلك هو القانون، كونه الأداة التي تطيعها الأجهزة الأمنية والنصوص التي يحكم بها القضاء. نحن على يقين أن محاولة العملاء والطماعين والجهلاء لن تمر، لأن البلاد تزخر بالوطنيين الواعين لتهديدات المنظمات الأجنبية للأمن القومي، فإصدار قانون جديد ليس أولوية في حالة انقسام وصراعات سياسية، ومجلس النواب الحالي لن تنطلي عليه هذه المؤامرة، وخاصة أن القانون الساري خال من المثالب، ولا يشكل عقبة أمام من يريد أن يمارس عملا تطوعيا وطنيا، أما من يسعى لاستخدام المنظمات للاسترزاق والعمالة والجوسسة والتخريب فسيخيب مسعاه.
القوة الوطنية مسؤولة عن توعية الرأي العام بالأخطار المحدقة بالوطن، ومن واجبها دراسة المشاريع المقدمة والتنسيق مع الأجسام المهتمة كمجلس الأمن القومي، والاستئناس بقوانين دول الجوار وخاصة القانون المصري رقم 70 لسنة 2017 وتزويد مجلس النواب بالرأي الصائب حيالها.