ملفات وتقارير

“عملية الكرامة” منعت حلم تنظيم داعش الإرهابي من السيطرة على ليبيا وتحويلها إلى إحدى ولايات دولته المزعومة

تضحيات عظيمة وبطولات نادرة.. الذكرى التاسعة لانطلاق عملية الكرامة التي قضت على الإرهابيين

متابعات – منيرة الشريف
يُحيي الشعب الليبي غدا الثلاثاء الموافق 16 مايو 2023، الذكرى التاسعة لعملية الكرامة، بقيادة القائد العام للقوات المسلحة العربية الليبية المشير خليفة حفتر، التي انطلقت من مدينة بنغازي وامتدت إلى مدينتي درنة وسرت ومدن الجنوب لتتحول إلى ثورة شعبية هدفها القضاء على التنظيمات الإرهابية المتوغلة في الأراضي الليبية، خاض خلالها الجيش الليبي، عدة معارك عسكرية، تضمنت تحرير بنغازي وأجدابيا وخليج سرت، ودرنة، وجميع المدن الشرقية، ثم انتقل إلى الجنوب ليبسط سيطرته على نحو 80 % من مساحة الدولة، مع قوات تمثل نواة حقيقية لجيش وطني نظامي يعرف التراتبية العسكرية، وإطاعة الأوامر، ولديه عقيدة عسكرية حقيقية، من خريجي الكليات والمعاهد الحربية.

انطلقت عملية الكرامة في بنغازي عام 2014، بمبادرة من عشرات الضباط الوطنيين الليبيين – نحو 250 عسكريا – بعد أن عانى الليبيون كثيرا من الاغتيالات والخطف والتصفية من التنظيمات الإرهابية المتطرفة التي توغلت في المدن والمناطق الليبية بتخطيط من دول الناتو وحلفائها في فبراير 2011، وبدأت العملية بضربات موجهة إلى وحدات من ميليشيا 17 فبراير، وميليشيا درع ليبيا 1، وما يعرف بأنصار الشريعة، وخاصة في المناطق الجنوبية الغربية من بنغازي كالهواري وسيدي فرج، وتركز القتال على وجه الخصوص في المنطقة الواقعة بين حاجز البوابة الجنوبي الغربي ومصنع الأسمنت، وهي منطقة كانت تحت سيطرة مجموعة أنصار الشريعة، وفي اليوم التالي تحركت قوات ما تسمى بدرع ليبيا المرتبطة بالإخوان والجماعة المقاتلة، للهجوم على ميناء بنغازي البحري، حيث اشتبكت مع القوة الأمنية التابعة للدولة والتي كانت تقوم بحماية الميناء، كما اشتبكت مع قوات مشاة البحرية في القاعدة البحرية المجاورة في جليانا، في معركة استمرت نحو يومين، وانتهت باحتلال الميليشيا للميناء وسقوط شهداء وجرحى، ما دفع بالقوات المسلحة إلى التدخل المباشر مدعومة بالمتطوعين من أبناء القبائل.
وقد شجّعت عملية الكرامة العسكريين السابقين والمتطوعين على الانضمام إلى القوات المسلحة بهدف الدفاع عن كيان الدولة ومؤسساتها وحماية المدنيين من عنف الجماعات المتطرفة، وفي أبريل 2015 أمر الفريق خليفة حفتر القائد العام للجيش الليبي بعودة جميع العسكريين السابقين إلى صفوف الجيش، مشيدا بالروح الوطنية التي أبداها كل الضباط والجنود والمدنيين الداعمين لعملية الكرامة أثناء حربهم الطويلة والمؤلمة الهادفة إلى إرجاع هيبة الدولة الليبية وسيادتها.
وحظيت القوات المسلحة بدعم الأغلبية الساحقة من الشعب، فقد انضمت إليها القبائل والمدن والقرى التي رأت فيها مشروعا وطنيا استطاع أن يحقق المصالحة الوطنية الفعلية على الأرض وفي جبهات القتال، كما أعادت مؤسسات الدولة إلى سالف نشاطها في كل المناطق التي بسطت عليها نفوذها، واجتثت الإرهاب بجميع تفرعاته، وفتحت أبواب الأمل على مصراعيها أمام شعب يطمح إلى تجاوز النفق المظلم الذي دفعته إليه قوى الإرهاب والتطرف والفوضى، وذلك بالتوصل إلى الحل السياسي الذي لن يكون إلا في ظل الأمن والاستقرار وسلطة الدولة.
ما قبل الكرامة
كانت هناك مجموعة من المقدمات لمعركة الكرامة، التي تعد مرحلة فاصلة في حياة المؤسسة العسكرية الليبية، حيث شهدت بنغازي عمليات ارهابية من خلال التفجيرات والاغتيالات والذبح والحرق والسطو والخطف، كما سجلت العديد من العمليات الانتحارية الإرهابية التي أودت بحياة العشرات من المدنيين الأبرياء.
ومن أبرز العمليات التي نفذها الإرهابيون قبل عملية الكرامة: عملية بوابة برسس، واستهداف مقر الصاعقة 21، وتفجير مستشفى الجلاء، وكانت أشرس العمليات الإرهابية ضد الليبيين، ما حدث في أحداث “السبت الأسود” ببنغازي، في 8 يونيو 2013، وهي واحدة من أبشع جرائم الميليشيات، حيث استهدفت ميليشيات درع ليبيا في بودزيرة حشود المتظاهرين، الذين خرجوا مطالبين بمغادرتهم المدينة وترك مقراتها وتسليمها للقوات الخاصة، غير أن الإرهابي وسام بن حميد ورجاله أطلقوا وابلاً من الرصاص على المتظاهرين السلميين، ما أدى إلى استشهاد نحو 40 شخصا وجرح 154 آخرين.
أبرز العمليات التي قام بها الجيش
قام الجيش الوطني الليبي في 11 سبتمبر 2016، بتنفيذ عملية “البرق الخاطف” لتحرير منطقة الهلال النفطي والمنشآت والموانئ الموجودة من ميليشيات الجماعات الإرهابية، وفي مارس 2017 صد هجومًا نفذته ميليشيات متشددة على الهلال النفطي يدعمها الإخوان وحلفاؤهم، حيث تعرض إلى ضربة موجعة من خلال عملية البرق الخاطف، كما صد هجوما آخر في يونيو من العام ذاته، انتهى بالقضاء على أغلب ميليشيات الجضران التي كانت مدعومة من المجلس الرئاسي ومسنودة بمئات من مسلحي المعارضة التشادية المتمركزة في ليبيا.
وفي 3 يونيو 2017 استعادت القوات المسلحة العربية الليبية السيطرة على كافة مناطق الجفرة الصحراوية و”قاعدة الجفرة العسكرية الجوية”، ذات الأهمية الاستراتيجية الكبرى في التواصل بين الوسط والجنوب، وكبوابة تفتح على شمال البلاد، كانت الميليشيات والجماعات الإرهابية تستعملها للفصل بين شرق وغرب وجنوب ليبيا، وفي 6 يوليو 2017 أعلن خليفة حفتر، التحرير الكـــــــــــــــامل لمدينة بنغازي من المسلحين المتطرفين بعد أكثر من 3 سنوات من المعارك الدامية، وقال حفتر في خطاب موجه إلى الشعب الليبي “بعد كفاح متواصل ضد الإرهاب وأعوانه، دام أكثر من ثلاث سنوات متتالية تزف إليك اليوم قواتك المسلحة بشرى تحرير مدينة بنغازي من الإرهاب، تحريرا كاملا غير منقوص، وتعلن انتصار قواتك المسلحة في معركة الكرامة ضد الإرهاب”، وفي 29 يونيو 2018 أعلن المشير حفتر تحرير مدينة درنة من الإرهابيين، ليطوي بذلك صفحة قندهار ليبيا، وفي يناير 2019، أطلق الجيش الوطني عملية تحرير الجنوب التي تواصلت لمدة شهرين تقريبا وانتهت ببسط نفوذها على إقليم فزان الذي تصل مساحته الى 552 ألف كلم مربع، وعلى الحقول النفطية الكبرى وبخاصة حقل الشرارة وحقل الفيل، وتمكن الجيش الليبي خلال المعارك من القضاء على عدد من التنظيمات الإرهابية نهائيا، وأجبر بعضها على الاختفاء والتخلي عن أفكارها المتطرفة وترك السلاح.
لقد دفعت القوات المسلحة الآلاف من أبنائها على مذبح التحرر الوطني، وتصدت بقوة لمشروع إخواني عابر للحدود كان يجد دعما سخيا من قطر وتركيا وقوى إقليمية ودولية أخرى، وكشفت عن طبيعة المؤامرة التي كانت تحاك في السراديب المظلمة ضد ليبيا الدولة والمجتمع والشعب والثروة والموقع والدور والمقدرات.
وكشف مراقبون عن أن تقرير الأمن القومي الأمريكي لعام 2018 نص على أن إخوان ليبيا سهلوا تدريب عناصر تنظيم داعش داخل معسكرات، أطلق عليها “معسكرات الهلال”، ما جعل تنظيم داعش ينتشر ويقوى ويستولي على مساحات شاسعة في دولة الشام والعراق قبل أن يتم طرده منها، وأن المخابرات التركية نقلت عناصر تنظيم داعش القادمين من الشيشان وأوزبكستان إلى معسكرات تدريب داخل ليبيا، قبل أن يتم نقلهم مرة أخرى إلى الحدود السورية التركية.
وأوضح المراقبون أن جهود عملية الكرامة ستسجل في التاريخ العسكري العربي بإنقاذ ليبيا من هذا الدمار الشامل والمخطط التركي القطري، لكي تكون معمل تفريخ للمتطرفين، بل صار الجيش الوطني الليبي هو الجيش الذي يثق به المجتمع الدولي الذي بدأ يلتفت إلى دوره الوطني، بل ويقدم له المساندة والدعم.
التحام الشعب مع قواته المسلحة
انضم الشعب الليبي إلى صف القوات المسلحة أمام الميليشيات التي يوالي بعضها التنظيمات الإرهابية والبعض الآخر يعمل في أنشطة إجرامية جنائية مثل تجارة المخدرات والسلاح وتجارة البشر والهجرة غير الشرعية بالدول الأفريقية المجاورة، واحتضن العملية وحولها إلى ثورة شعب ومدها بما يملك من أموال ومواد، وتم ذلك من خلال لجان شعبية قادها بعض الوطنيين المتطوعين الغيورين على الوطن.
دعوات لانتفاضة شعبية
وبمناسبة الذكرى التاسعة لانطلاق عملية الكرامة، دعا مهتمون بالشأن المحلي لانتفاضة شعبية في المناطق التي لا تزال تحت سيطرة الإخوان المتسترين بالميليشيات المسلحة والعصابات الإجرامية، والذين بوجودهم لن تقوم للبلاد قائمة وسينتظر الوطن طويلا وستزداد الجراح وستبقى تحت دائرة الصراعات الدولية وألاعيب الإخوان، موضحين أن انتظار الانتخابات ممن هم في السلطة مسألة أشبه بالمستحيل.
وأوضح المراقبون أن مشروع الإسلام السياسي الذي لم ينجح في خلق أي نموذج يمكن أن يجعل الشعب الليبي يذهب معه أو ينساق وراءه، هو من أسوأ المشاريع التي مرت على المنطقة، بل هو أداة استعمارية أسوأ من الاستعمار نفسه، فقد أفسدوا المناخ وضربوا قيم المجتمع وصنعوا الذراع العسكرية الإرهابية ونفذوا مشاريع دولية بدءا من تجنيد الشباب للقتال في أفغانستان إلى إعادة توريدهم مرة أخرى عبر ما عرف بالربيع العربي، واستطاعوا صناعة مفاهيم الذبح والقتل بحجة أنها شريعة الله وأوامر الدين الإسلامي الذي جاء بالذبح ويتوعد الجميع في مقدمتهم من يشهدون بالوحدانية ورسالة آخر الأنبياء سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم قبل غيرهم من باقي الشرائع.
وأضافوا: إن المعركة مستمرة وإن الإخوان المسلمين ما زالوا يتواجدون بقوة على المشهد الليبي، وهم من يقود ويحرك ويقرر في أهم مفاصل البلاد، وأن مناوراتهم لن تتوقف وستستمر، وعلى القوى الوطنية الاستمرار في النضال لاستئصال هذا الورم لقطع الطريق أمام المراهنين على هذا المشروع الظلامي.
وبالنظر إلى الدعوات المتكررة للقائد العام للحراك الشعبي ضد هؤلاء في لقاءاته وجولاته الأخيرة فإنه لن يهزم الإخوان إلا الإرادة الشعبية والتحرك الشعبي، ولابد أن تتحرك الفعاليات الشعبية لضرب هذا التنظيم، بعدم استمرار الاكتفاء بالمشاهدة من فئات الشعب وعدم التحرك وإنقاذ الوطن في ظل استقواء هذا التنظيم بالقوى الخارجية الذي لن تهزمه سوى إرادة الشعب.

زر الذهاب إلى الأعلى